مقالات

خالد أبو المجــد يكتب: فى إنتظــــــار قــــرار

الاستماع للخبر

أمل الدولة..وكافة الحكومات المصرية المتعاقبة هو جذب الشركات العملاقة ورؤوس الأموال الأجنبية للإستثمار في مصر، وكافة الجهود الوزارية -التي قد تبدو متفرقة- في الحقيقة تصب مجتمعة في هذا المعين، وإن إختلفت الرؤى والسبل.

منذ عدة سنوات فاجئنى أحد خبراء الاتصالات بأن 80% تقريباً من إيرادات سوق الاتصالات المصرية تخرج خارج البلاد، كانت المعلومة صادمة في حينها، إلا أن الميوعة والتسيب اللتان نشهدهما حالياً في سوق أجهزة المحمول يعيدان الصدمة.

كل الشركات وكافة المصنعين والمصدرين يصفون السوق المصرية بالقوية والمشجعة، ويسيل لعابهم عند ذكرها، ويحلمون بإختراقها، لما تتميز به من الميل الشديد للإستهلاك إضافة إلى التعداد السكانى المغرى، ولذلك ونجد كل يوم شركة جديدة تطل علينا طارحة جهاز جديد للمحمول دون أي ضابط أو رابط..وأحياناً تكون بالنسبة لهم “خبطة وخلاص”، بمعنى أن يكون الموديل الأول والأخير لهذه الشركة..وأذكر أن صديقين أحدهما من الصين والآخر فرنسى لاحظا يوماً أن تجارة الهواتف المحمولة مربحة، فقاما بالإتفاق مع إحدى المصانع بالصين لتجميع هاتف فى حدود سعر محدد، وتعبئته فى عبوات بشكل معين، وإغلاقها، وتصديرها للسوق المصرية المفتوحة على مصراعيها تحت إسم معين، وتمت الصفقة، وربحا، وقسما الربح، وأفترقا، وعاد كل منهم إلى بلده..وأنتهى الأمر.

ولعل من سخرية القدر تلك الأخبار التى طالعناها خلال الفترة الماضية، وأغلبها ينحصر فى بعض الشركات القديمة المصنعة للهاتف المحمول والتى أغلقت مصانعها منذ سنوات إلى نفض التراب عن ماكيناتها، والعودة للتصنيع من جديد لـ “أى منتج والسلام” لغزو هذا السوق كأنه “ليس له صاحب”، والمشكلة الأكبر أنها تجد لها من يعينها على ذلك إعلامياً وتجارياً.

أصبح السوق المصري بعد فترة وجيزة مرتعاً لكل “من هب ودب” ليطرح هواتفه “التي لا يعلم إلا الله” أين ومن أي شيئ صنعت، المجهود الوحيد الذى قد يبذله هؤلاء يكون فى إختيار الإسم، وقد يبذلون جهداً آخر فى إحصاء المكاسب التي جنوها من هذا السوق..ولا عزاء للدولة، والسؤال الملح والجوهرى: ماذا تكسب مصر من مبيعات هذه الشركات، والإجابة بمنتهى السهولة: لاشئ..اللهم إلا “دراهم معدودة” قيمة بعض الضرائب والرسوم..فمن أي جانب يعد هذا إستثماراً؟

طبعاً لا يستوى الذين يعملون والذين لا يعملون..هناك شركات “محترمة” مصنعة للهواتف المحمولة، قامت بإنشاء إستثمار حقيقي فى الدول التي تطرح منتجاتها فى أسواقها، أذكر منها هواوي وسامسونج..وغيرهما، فالأولى تتنوع أشكال إستثماراتها، والثانية كان لها السبق فى إنشاء مصنعها الشهير ببنى سويف..أما الأسماء العجيبة التي “بلانا بها الزمن” مؤخراً فتعمل بالمثل الشهير “إخطف وإجري”.

الأمر جد خطير، ويحتاج بشدة لوقفة وإعادة تنظيم، فلا يصح أن يصبح سوقاً قوياً قوامه 100مليون مستهلك مجرد سلة لإلقاء البضائع التي يتم إستيرادها بالعملات الصعبة، نحتاج إلى مقننات توفر للدولة الفائدة الأعظم من قوة هذا السوق وإمكاناته، نتلهف لهاتف مصري الصنع عالمي المميزات والصفات، ولقوانين تعزز من صلاحيات المنتج المصري وتقويه أمام منافسيه..حتى يصبح نواة لإستثمار حقيقي، وربما يرتفع سقف آمالنا فى التصدير إقليمياً وإفريقياً وعالمياً، لنحقق عائدات دولارية إضافية، ويعمل على ميل الميزان التجارى لصالحنا، ويحقق للمستهلك المصري منتجاً وطنياً مضمون الصناعة ومتوفر الصيانة، ناهيك عن فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي تحتاجها شريحة كبيرة من العمالة المصرية التي يشيد بها الآخرون..الأمر فقط ينتظر القرار.