مقالات

محمد أبو المجد يكتب: قنابل كتب التراث

قال الإمام أبو حنيفة النعمان: “ردي علي كل رجل يحدث عن النبي، صلى الله عليه وآله، وسلم، ليس ردًا على النبي، صلى الله عليه وآله، وسلم، ولا تكذيبًا له، ولكنه ردًا على من يحدث عنه بالباطل”.

كتب التراث تحتاج بشدة إلى غربلة.. وهذا ما يرفضه الكثيرون من علماء الأزهر.. ولا أدري سببًا مقبولًا لذلك.. واضعو الأحاديث، والكذابون على رسول الله، صلى الله عليه، وآله، كُثُرٌ.. والأسباب متباينة، لكن النتيجة كوارث.. أسفرت عن ظهور “داعش”، ومن سبقها من الفرق والجماعات التي رفعت الإسلام شعارًا، ونادت بدولة إسلامية، وما الوهابية، والإخوان عن تلك الفرق الضالة ببعيد، بل الصلة واضحة بينها وبين الخوارج، والحشاشين، وغيرهما..

البعض وضع الأحاديث والروايات رغبة في تحبيب الأعمال الصالحة للناس.. والبعض لترجيح كفة رأي يتبناه.. أو فرقة وقبيلة ينتمي إليها، أو رجل يريد رفع سيرته بين الأشهاد.. فعلوا ذلك دون أن يرمش لهم جفن، حتى إن بعضهم فعل ذلك التصرف الشنيع “الكذب على رسول الله، صلى الله عليه، وآله، لمجرد الاسترزاق، تمامًا كما كان يفعل الشعراء في مدح الأمراء والملوك.. كانوا يخترعون الأحاديث وينسبونها إلى النبي، صلى الله عليه، وآله، وسلم، لنيل رضا أحد الحكام، والفوز بصرة أموال.. وهكذا كانوا يبيعون دينهم بدنياهم!

دورنا الآن العمل على تصحيح تلك الكتب، أو على الأقل الشهير منها.. ربما لن يكون العمل ناجحًا لدرجة الكمال، لكنه، في حده الأدنى، سيمثل البداية التي ستتلوها خطوات عدة في المضمار نفسه، لنصل إلى الهدف المنشود؛ تنقية كتب التراث.. اقرأوا معي تلك الروايات التي تنسب إلى رسولنا الكريم ما يعقل، فهل يرضي أحدًا أن نسيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، دون أن ندري؟!

تقول بعض كتب التراث، وبالتحديد “الطبقات الكبرى”، و”الإصابة في تمييز الصحابة”، إن النبي صلى الله عليه وآله، وسلم، تقدم لخطبة ابنة عمه مرتين، مرة في حياة أبيها، ثم مرة بعد الفتح.. وابنة عمه تلك هى فاختة بنت أبي طالب عم النبي.. شقيقة سيدنا علي وجعفر وعقيل، كنيت باسم “أم هانئ”.

في المرة الأولى كان قد خطبها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، فتزوجها، فقال النبي: يا عم زوجت هبيرة وتركتني؟ فقال: يا ابن أخي، إنا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم.

ثم أسلمت، ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة.. فخطبها رسول الله، صلى الله عليه، وآله، وسلم، فقالت: “يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعي وبصري، وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج”.

فقال رسول الله: “خير نساء ركبن المطايا نساء قريش، أحنه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”.

وتستطرد الروايات: كان كثير ما يزورها في بيتها، خصوصًا بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة، وقد أكرمها الله حيث أُسرى برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، من بيتها، وكان قد صلى فيه العشاء، وأسرى به ثم عاد، وصلى الفجر، ولما أراد أن يخرج ويخبر قريشًا بقصة إسرائه، قالت له: يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك، ولكنه خرج، وحدث قومه عن ليلة الإسراء، وما حدث له فيها.

كيف يتسنى للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من علم الناس مكارم الأخلاق، وجميل التصرفات، أن يصلي منفردًا في بيت امرأة لا تحل له، ثم يبيت، ثم يعود لصلاة الفجر، ثم يستشيرها في أمر خطير من أمور الوحي والدعوة والنبوة؟!

تقول الروايات أيضًا: أجارت “أم هانئ” رجلًا من أحمائها كتب عليه القتل، وأعطاها النبي الأمان في ذلك… وفي ذلك يروي البخاري: “أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، فسلمت عليه، فقال: “من هذه”؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: “مرحبًا بأم هانئ”، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلًا قد أجرته، فلان بن هبيرة، فقال رسول الله: “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ”.

انظروا إلى الكذب الواضح.. كيف يغتسل رسول الله، صلى الله عليه وآله، صاحب الأدب الإنساني الرفيع، وابنته تستره؟! أكل الناس، وقتها، كانوا يفعلون ذلك؟! وما هو حال من كان يعيش وحده؟! أكان يفعل ذلك في العراء؟! أم إلى جانب سور؟! ألم يكن في البيت مكان مخصص للاغتسال؟! وكيف يستقبل امرأة أجنبية أثناء اغتساله، حتى لو كان مستترًا؟! وهل من أدب الإسلام أن يقتحم أحد بيت غيره دون استئذان؟! فما بالنا إذا كانت امرأة؟!

الغريب أنها سلمت على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يغتسل، ولم تسلم على ابنته السيدة فاطمة، رضي الله عنها، ولم يقل لنا الرواة، كيف تأكدت أنه رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسلم، هل شاهدت وجهه مثلًا؟! وإذا كان ذلك كذلك ولم يرها هو! أعتقد أن تلك الرواية وأضرابها، محض كذب مختلق وافتراء على سيد الخلق، صلى الله عليه وآله، وسلم، لغرض ما، يدريه الرواة.
لا أرى وجهًا واحدًا للدفاع عن كتب التراث، وتقديسها لدرجة رفض الاقتراب منها، رغم القنابل التي تكتظ بها

error: Alert: Content is protected !!