فى الوقت الذى تبذل فيه الدولة المصرية جهودًا ضخمة لتحقيق التحول الرقمى، وتُطلق المبادرات تلو الأخرى لبناء مجتمع رقمى متكامل، لا يزال الواقع فى بعض القطاعات يكشف عن فجوات واضحة بين الرؤية والطموح من جهة، والتطبيق والتنفيذ على الأرض من جهة أخرى.
فمن غير المنطقى – بل من غير المقبول – أن يُفاجأ المواطن، وهو يستخدم أحد أهم وسائل النقل الجماعى الحديثة مثل الخط الثالث لمترو الأنفاق، بانقطاع شبكة المحمول أو ضعف تغطية الإنترنت، وكأنه داخل نفق زمنى يبتعد تمامًا عن العصر الذى نعيشه، فكيف يمكن الحديث عن “خدمات رقمية”، و”محافظ إلكترونية”، و”حجز إلكترونى للتذاكر”، و”خرائط ذكية للمواصلات”، بينما لا يستطيع المستخدم إجراء مكالمة عادية أو إرسال رسالة نصية بمجرد دخوله محطة المترو؟.
المسألة ليست ترفًا تقنيًا أو رفاهية حضارية، نحن نتحدث عن بنية تحتية اتصالية لا تنفصل عن الأمن، والطوارئ، والخدمات المالية، والتعليم، والصحة، وكل ما تسعى الدولة لتقديمه عبر منصات رقمية متكاملة.
المشكلة هنا ليست فقط فى شركات المحمول، بل فى غياب التنسيق الجاد والمبكر بين الوزارات والهيئات المسؤولة، لماذا لا يكون هناك تصور موحد من البداية عند التخطيط لأى مشروع قومى، يُلزم كل جهة بدورها ويُحدد متطلبات التوصيل الرقمى وتغطية الشبكات قبل الافتتاح لا بعده؟.
التحول الرقمى ليس شعارًا يُطلق فى المؤتمرات أو وثيقة تُوقع فى الاجتماعات، بل هو نهج يجب أن يخترق جميع قطاعات الدولة، ويُترجم إلى أداء تشغيلى منضبط يُراعى احتياجات المواطن قبل أن يطلبها، لا بعد أن يشتكى منها.
إن الحل يكمن فى التكامل المؤسسى الحقيقى، كل وزارة وكل هيئة يجب أن تنفّذ دورها من منطلق الشراكة، لا من باب تنفيذ مهامها بمعزل عن الآخرين، وزارة النقل يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة الاتصالات، لضمان أن كل مشروع نقل جماعى جديد مجهز مسبقًا بأفضل تغطية رقمية وشبكية، والجهات المحلية يجب أن تُراقب وتُقيّم، وتضع معايير أداء رقمى واضحة.
فى القرن الحادى والعشرين، من حق المواطن أن يحصل على شبكة مستقرة ومعلومات لحظية وخدمات رقمية ميسّرة أينما كان – فى المترو، أو المستشفى، أو المدرسة، أو حتى على الطريق، وإذا كنا نطمح لدولة ذكية ومجتمع رقمى حقيقى، فلا بد أن تتحد كل الجهود، وإلا فإن التحول الرقمى سيظل مرهونًا بشبكة لا تحمل إشارة.
