أخباراتصالاتالأرشيفتقارير
أخر الأخبار

” الآوتسورسينج”..”الكنوز الوطنية” تتصدر أولويات “رقمنة مصر”

في إطار الرؤية الاستراتيجية للدولة لبناء مصر الرقمية وتعظيم الاستفادة من ثرواتها البشرية غير التقليدية، واصل الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، جولاته الحثيثة للتواصل مع القلب النابض لاقتصاد المهارات: مجتمع العاملين لحسابهم الخاص “الفريلانسرز” والمبدعين التقنيين..وكانت محافظة الدقهلية، وتحديداً مدينة المنصورة، محطّة بارزة الأسبوع الماضي، حيث تفقد الوزير مراكز الإبداع التكنولوجي المنتشرة، مؤكداً في تصريحات قوية على أن هؤلاء الشباب يمثلون “مصادر للدخل القومي الخام”، داعياً إلى ضرورة الاهتمام بهذه الصناعة الناشئة وتنميتها لدعم الاقتصاد الوطني.

وتأتي هذه الجهود الحثيثة في إطار توجيهات ودعم مباشر من القيادة السياسية، فقد أولى الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية استثنائية لتحويل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد رقمي قائم على المعرفة والإبداع، معتبراً الشباب الموهوب والمُدرّب تكنولوجياً هم الركيزة الأساسية والأمل الحقيقي لتحقيق هذه النقلة النوعية، ووجّه الرئيس بوضع دعم الفريلانسرز ورواد الأعمال الرقمية على رأس أولويات الاستراتيجيات الوطنية، مؤكداً على ضرورة تذليل كل العقبات أمامهم وتمكينهم من تحويل مهاراتهم إلى مشروعات منتجة وجاذبة للعملة الصعبة.

وخلال زياراته لمراكز إبداع مصر الرقمية “كريتيفا”، يستمع الوزير لشهادات حية من الشباب المصري الذي حوّل شغفه التكنولوجي ومهاراته إلى مصدر دخل مستدام، يعمل مع شركات وعملاء من جميع أنحاء العالم من داخل مراكز الإبداع المحلية، وأشيد بتميزهم وقدرتهم على المنافسة عالمياً، قائلاً: “نحن أمام ثروة بشرية هائلة، ليست مقيدة بالحدود الجغرافية، وتستحق منا كل الدعم لتحويل هذه الطاقة الفردية إلى صناعة منظمة تساهم بشكل ملموس في الناتج القومي الإجمالي”.

وشدد الوزير على أن الوزارة تضع دعم وتطوير منظومة العمل الحُرّ على رأس أولوياتها، من خلال مبادرات متعددة تشمل التدريب المتخصص، وتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني، وتوفير البنية التحتية التكنولوجية، وإنشاء منصات رقمية لربط المهارات المصرية بأسواق العمل العالمية..ولكن ما هي صناعة الفريلانسر أوالتعهيد..أو “الآوتسورسينج”؟

تعرف هذه الصناعة بـ “العمل الحر الفريلانسينج”، وهو نمط عمل يقوم فيه الفرد “الفريلانسر” بتقديم خدماته أو مهاراته المهنية لعملاء أو شركات، عادةً عبر الإنترنت، على أساس المشروع أو المهمة أو الساعة، وليس كموظف دائم، ويتمتع بحرية اختيار المشاريع والعملاء وأوقات العمل، وتشمل المهارات الأكثر طلباً: البرمجة وتطوير الويب والتطبيقات، التصميم الجرافيكي والموشن جرافيك، الكتابة والترجمة المحتوى، التسويق الرقمي، تحليل البيانات، الدعم الفني، وغيرها من المهارات القائمة على المعرفة.

وتعد صناعة التعهيد “الآوتسورسينج” استراتيجية تقوم بها الشركات “غالباً في الدول المتقدمة” بتفويض أو “تعهيد” مهام أو عمليات معينة إلى طرف خارجي، إما إلى شركات متخصصة أو إلى أفراد مستقلين “فريلانسرز”، غالباً في دول أخرى حيث التكلفة أقل أو المهارة متوفرة بكفاءة عالية، بدلاً من تعيين موظف دائم لكتابة محتوى موقعهم الإلكتروني، قد تعهد شركة ألمانية هذا المهمة إلى كاتب محتوى مصري مستقل..ويبقى السؤال الأكثر أهمية: لماذا تُعد هذه الصناعة “مصدر دخل قومي خام”؟

تقوم هذه الصناعة كمصدر للعملة الصعبة، حيث يعمل الفري لانسرز المصريون مع عملاء من أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج، مما يدخل مليارات الدولارات سنوياً إلى الاقتصاد المصري، مباشرة عبر القنوات الرسمية للبنوك والتحويلات الرقمية، كما تقضى هذه الصناعة على البطالة المقنعة، بل وتحول الطاقة البشرية العاطلة أو غير المستغلة بكفاءة إلى قوى منتجة، وتنمي المهارات عالمياً عن طريق الانخراط في سوق العمل العالمي مما يرفع من مستوى المهارات المصرية ويجعلها متوافقة مع المعايير الدولية، وتعمل كذلك على تشجيع ريادة الأعمال، فكثير من الفريلانسرز الناجحين يتحولون لاحقاً إلى مؤسسي شركات ناشئة توظف آخرين، وتمتاز هذه الصناعة بالمرونة الجغرافية، فيمكن ممارسة هذا العمل من أي مكان، مما يخفف الضغط على المدن الكبرى ويدعم فكرة “العمل من المحافظات” والتنمية الجغرافية المتوازنة.

من جانبها تتبنى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خطة شاملة لدعم هذه الصناعة، فأنشأت مراكز إبداع مصر الرقمية، وتوفر بها مساحات عمل مجهزة وبيئة محفزة للشباب في مختلف المحافظات، وتطلق المبادرات التدريبية مثل “مستقبلنا رقمي”، و”بناة مصر الرقمية”، التي تؤهل عشرات الآلاف سنوياً في مجالات العمل الحر المطلوبة عالمياً، وتدعم العمل على منصات وطنية لعرض المهارات المصرية وجذب الشركات العالمية، وكذلك تسهل المعاملات المالية بالتعاون مع البنوك والجهات المعنية لتذليل عقبات التحويلات والإفادة الضريبية.

ولا تعد الزيارة الأخيرة للوزير مجرد حدث إعلامي عابر، بل هي تأكيد عملي على تحول جذري في الرؤية الاقتصادية، فالثروة لم تعد تحت الأرض فقط، بل هي أيضاً في عقول وأصابع آلاف الشباب المصري القادر على خلق قيمة مضافة من شاشة الكمبيوتر، وتمثل الدعوة إلى “تنمية هذه الصناعة” خارطة طريق لاستغلال طاقة هائلة غير مستغلة بالكامل، ووضع مصر على خريطة العالم كمركز إقليمي وعالمي لإمداد أسواق العمل بالمهارات الرقمية عالية الجودة مستقبل العمل قد حلّ، ومصر تعد عدتها لتصبح لاعباً رئيسياً فيه.

error: Content is protected !!