أخبارالأرشيفتقارير
أخر الأخبار

الخبراء يناقشون: كيف تحمي تكنولوجيا المعلومات شباب مصر رقمياً؟

في أعقاب عدد من الجرائم المروعة التي هزت المجتمع المصري مؤخراً، والتي ارتكبها صبية وأحداث في مشاهد عنف غير مسبوقة، تدق جرس إنذار للجميع: الأسرة، المدرسة، مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، ومعها تبرز أسئلة ملحة حول الدور الخفي للعالم الرقمي في تشكيل وعي وسلوكيات النشء، هذه الأحداث التي “تدمي القلوب” كما وصفها المراقبون، تفتح الباب أمام تحري دقيق لكيفية تحول التكنولوجيا من أداة للتنمية إلى سلاح مدمر في أيدي اليافعين..”جيل الغد”تناقش فى هذا التحقيق هذه الأحداث ورؤية وتوصيات الخبراء والمختصين.

تشير إحصائيات حديثة إلى أن مصر تحتل مرتبة متقدمة في عدد مستخدمي الإنترنت عربياً، مع انتشار كبير لوسائل التواصل الاجتماعي بين فئة الشباب تحت سن 25 عاماً، هذا الانتشار يحمل في طياته فرصاً هائلة للتعلم والتطوير، لكنه يخفي أيضاً مخاطر جسيمة.

الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، أكد أن مصر لديها كل المقومات لتكون التكنولوجيا أداة بناء لا هدم، مشدداً على العمل على تطوير استراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي الآمن، تركز على حماية النشء وتحصينهم فكرياً.

من جانبها أطلقت الحكومة المصرية عدة مبادرات للتصدي لهذه الظاهرة، منها: (منصة “كونكت” التعليمية التي توفر محتوى تعليمياً وآمنياً للشباب، مبادرة “أخلاقك كنزك” التوعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومركز الأمن السيبراني الذي يعمل على رصد ومحاربة المحتوى الضار، مبادرة “شباب الرقمية”، والتى تستهدف المبادرة تدريب الشباب على مهارات البرمجة وتطوير التطبيقات، مما يحولهم من مستهلكين سلبيين إلى منتجين للمحتوى المفيد، ومشروع “أبطال الإنترنت” بالشراكة مع المدارس، والذى يدرب التلاميذ على أساسيات الاستخدام الآمن للإنترنت، وكيفية التعرف على المحتوى الضار والإبلاغ عنه).

كما ظهرت مؤخراً تطبيقات مصرية مثل “راقب”، و”الأمان الرقمي”، والتي تمكن الأهالي من متابعة نشاط أبنائهم الرقمي دون انتهاك خصوصيتهم، وكذلك تشهد الساحة المصرية انتشار منصات تعليمية وطنية مثل “نفهم” و”إدارة” التي تقدم محتوى تعليمي جذاب باللغة العربية، مما يوفر بديلاً مفيداً عن المحتوى الضار..كما أطلق مجموعة من الشباب المصري تطبيق “استثمر وقتك”، ويقترح أنشطة مفيدة يمكن ممارستها عبر الإنترنت، من دورات تعليمية إلى مشاريع تطوعية رقمية.

الدكتور محمد عبد الهادي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، يحذر: “ما نشهده من جرائم بين الصبية هو نتاج تراكمي لتعرضهم لمحتوى رقمي غير مناسب، يعمل على تبلد المشاعر وتشويه الإدراك الأخلاقي، وبعض هذه المحتويات يروج للعنف كوسيلة لحل المشكلات”.

تنتشر في الفضاء المصري الرقمي مجموعات ومحتوى يروج للعنف والسلوكيات المنحرفة، مستغلة فراغ الشباب وعدم وجود رقابة أسرية فعالة، هذه المحتويات تستخدم تقنيات نفسية متطورة لجذب اليافعين وتطبيع السلوك الإجرامي..هذا ما أكدته هدى مصطفى، الخبيرة الاجتماعية، والتى أوضحت: “كثير من الأسر المصرية تفتقر للوعي الرقمي الكافي لمراقبة محتوى أبنائهم، ويظن الأهل أن الهاتف في يد الابن يعني الأمان، دون أن يدركوا أن هذا الجهاز الصغير قد يكون بوابة لجحيم من الأفكار الهدامة”.

الدكتورة منى ممدوح، استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين، تشرح: “المراهق المصري اليوم يعاني من فراغ روحي وتربوي، تملؤه التكنولوجيا بمحتوى قد يكون مدمراً، والحل ليس في منع التكنولوجيا، بل في تعليم الاستخدام المسؤول وإثراء الوقت بالمحتوى الهادف”.

المهندس خالد العفيفي، خبير الأمن الإلكتروني، يحذر من: “ظاهرة الغرف المغلقة والتطبيقات المشفرة التي يستخدمها الشباب للتواصل بعيداً عن أعين الأهل، حيث تنتشر الأفكار المتطرفة وينشأ التنمر والإجرام”.

وينصح الخبراء بضرورة إتخاذ خطوات جادة لتعزيز التعليم الرقمي الأخلاقي في المناهج الدراسية المصرية، وإنشاء مراكز إرشاد أسري رقمي في جميع المحافظات، وتطوير منصة وطنية للأنشطة الشبابية تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة، وتمكين الشباب الواعي ليصبح “مؤثراً إيجابياً” على وسائل التواصل، وتعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية لرصد المحتوى الضار باللغة العربية.

الأحداث المؤلمة التي شهدتها مصر مؤخراً يجب أن تكون التكنولوجيا ليست عدواً، بل هي أداة يمكن أن تصنع المعجزات في بناء الأجيال، إذا أحسنا استخدامها، ومؤكدين على أن الشاب المصري قادر على الإبداع والتميز، وهو بحاجة فقط إلى التوجيه والفرص، لنعمل معاً لتحويل الفضاء الرقمي إلى نبع للمعرفة والقيم والأخلاق.

error: Content is protected !!