مقالات

الدكتور عادل أعوين يكتب: الخطاب الملكي: المغرب بين الأرقام ورؤية المستقبل

الاستماع للخبر

شكل خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش حدثًا سنويًا بالغ الأهمية، تضمن معاني عميقة ورسائل كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي للمملكة المغربية، من الإيجابي والمحمود بأن يعتمد جلالته على لغة المانجمت ولغة المؤشرات مبتعدا عن لغة الايدولوجية والسياسة الجافة … حتى نعرف أين نحن في علاقتنا بالماكرو اقتصادي… ولتحليل الخطاب، يمكننا التركيز على النقاط الرئيسية التي غالبا ما يتناولها جلالته:

1. التوجهات الداخلية: العدالة الاجتماعية والمجالية كأولوية

يولي الخطاب الملكي اهتمامًا كبيرًا لتحديات التنمية الداخلية، خاصة فيما يتعلق بـالعدالة الاجتماعية والمجالية. جلالته عادة ما يؤكد على:

• رفض وجود “مغرب بسرعتين”: حيث لا يمكن أن يكون هناك مغرب متطور ومتقدم وآخر مهمش ومهمل، ويؤكد على ضرورة أن تشمل التنمية جميع المواطنين وكل المناطق والجهات، سواء في القرى أو المدن : رافضا التباين بين قطار TGV فائق السرعة وعالم قروي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة…

• التأهيل الشامل للمجالات الترابية: يدعو الخطاب إحداث نقلة نوعية في برامج التنمية الترابية، والانتقال من المقاربات التقليدية إلى مقاربة تنمية مجالية مندمجة تضمن تحقيق العدالة بين المناطق.

• الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية: يحرص الملك على متابعة وتقييم المشاريع والإصلاحات الكبرى الجارية في البلاد، مثل ورش تعميم الحماية الاجتماعية، ويؤكد على ضرورة تسريع وتيرة هذه الإصلاحات لتلبية تطلعات المواطنين.

• الجدية والمسؤولية: غالبًا ما يوجه الملك رسائل قوية للمسؤولين في مختلف القطاعات، داعيًا إلى الجدية في العمل ومحاربة العقبات التي تعرقل مسيرة التنمية، وتقديم الحساب عن أي تقصير.

• تثبيت دور الدولة الاجتماعية: يعزز الخطاب مكانة المغرب كدولة اجتماعية تلتزم بتحقيق التقدم الاقتصادي وتعزيز العدالة الاجتماعية، مع التأكيد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة التنمية.

2. الدبلوماسية والعلاقات الخارجية: المغرب كقوة صاعدة

على الصعيد الخارجي، يعكس الخطاب رؤية المغرب كفاعل إقليمي ودولي وازن ومسؤول وموثوق:

قضية الصحراء المغربية: تبقى هذه القضية محورية في الخطاب، حيث يؤكد جلالته على الموقف الثابت للمغرب وعلى الإنجازات الدبلوماسية التي تعزز هذا الموقف، بما في ذلك الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي.

العلاقات مع الجوار: غالبًا ما يتناول الخطاب العلاقات مع الدول المجاورة، وخاصة الجزائر. جلالته يجدد اليد الممدودة للجزائر، مؤكداً على الروابط التاريخية والإنسانية والمصير المشترك للشعبين، وأن أمن الجزائر واستقرارها يصب في مصلحة المغرب والعكس صحيح. فعلا، إنها حقا رسالة مهمة ذات بعد إنساني، من أجل بناء اتحاد مغاربي قوي … 

الدور الإفريقي: يؤكد الخطاب على عمق الروابط الإفريقية للمغرب، ودوره كشريك موثوق في التنمية المستدامة بالقارة، خاصة في مجالات التعاون الاقتصادي والأمن المائي والغذائي.

الشراكات الدولية: يعكس الخطاب حرص المغرب على تنويع شراكاته الدولية، وتعزيز مكانته كقوة صاعدة إقليميًا بشراكات عالمية واسعة، مستفيدًا من موقعه الجيواستراتيجي والإصلاحات التي قام بها.

3. دلالات الخطاب وأبعاده الرمزية

الجانب الأهم والاساسي، هو أن المؤسسة الملكية صارت تتكلم بلغة المؤشرات عوض لغة الوعد و الوعيد . وهذا يتجلى بوضوح في الأرقام التالية 

• الناتج الداخلي الخام سنة 1999 كان حوالي 42 مليار دولار، واليوم تجاوز 140 مليار دولار.

• الاحتياطي من العملة الصعبة كان أقل من 5 مليارات دولار، واليوم يفوق 37 مليار دولار.

• نسبة التمدرس في العالم القروي كانت دون 55%، واليوم تجاوزت 95% في الابتدائي.

• الكهرباء القروية لم تكن تصل سوى إلى 18% من الدواوير، واليوم تصل إلى أكثر من 99%.

• عدد المسافرين عبر المطارات كان لا يتعدى 5 ملايين، واليوم يصل إلى أكثر من 27 مليون سنويًا.

• إنتاج السيارات كان شبه منعدم، واليوم المغرب من أكبر منتجي السيارات في إفريقيا بأكثر من 500 ألف وحدة سنويًا.

• معدل الأعمار ارتفع من 66 سنة إلى أكثر من 76 سنة.

• عدد الجامعات كان محدودًا، واليوم تضاعف وانتشرت المدن الجامعية والمعاهد العليا التقنية.

• الطريق السيار لم يكن يتجاوز 100 كلم، واليوم المغرب يتوفر على أكثر من 1900 كلم من الطرق السيارة.

• معدل الربط بالماء الشروب انتقل من 60% إلى أكثر من 96%.

• الطاقة المتجددة لم تكن تتعدى 0.5%، واليوم تمثل أكثر من 37% من الباقة الطاقية، بفضل مشاريع عملاقة كـ”نور ورزازات”.

من هنا نلاحظ وبوضوح ان الخطاب لهذه السنة لا يقتصر على كونه مجرد تقرير عن إنجازات السنة المنصرمة، بل هو:

تجديد لـ “البيعة”: عيد العرش هو مناسبة لتجديد روابط البيعة بين العرش والشعب، وتأكيد على التلاحم الوطني حول المقدسات والثوابت.

خارطة طريق: يمثل الخطاب بمثابة خارطة طريق سياسية وتنموية متكاملة للمرحلة المقبلة، محددًا الأولويات والتحديات التي يجب مواجهتها.

مراجعة ومحاسبة: غالبًا ما يتضمن الخطاب مراجعة صادقة لما تم إنجازه، ووقفة تأمل عند التحديات المتبقية، مع دعوة صريحة للمحاسبة على التقصير.

تأكيد على الاستمرارية: يستحضر جلالته أرواح الملوك الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، في تعبير عن الاستمرارية التاريخية للمؤسسة الملكية في قيادة البلاد نحو التقدم.

باختصار، يمكن القول إن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش هو تعبير عن الرؤية الملكية الشاملة والطموحة للمغرب، التي تجمع بين البعد التنموي الاجتماعي والاقتصادي، والبعد الجيوستراتيجي والدبلوماسي، مؤكداً على أهمية العمل الجاد والمسؤولية الجماعية لتحقيق مستقبل أفضل للمملكة.

error: Content is protected !!