يجب علي الدولة أن تميز في سياساتها الضريبية والاستثمارية بين مشروع صناعي له جدوى اجتماعية فضلا عن جدواه الاقتصادية ووفورات حماية الأمن القومي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبين مشروعات تجارة الجملة والتجزئة التي تحقق ربحا كبيرا لأصحابها لكن عائدها المجتمعي محدود وأحيانا سلبى.
وهناك العديد من الدراسات التي أوضحت كيف تسببت استراتيجيات التصنيع في تقليل الفجوة بين الطبقات ومكافحة الفقر خاصة إذا استندت إلى سياسة رسمية مشجعة وواعية، فتركز الصناعة جغرافيا في شرق الصين على سبيل المثال ساهم في تعميق الفجوة بين مستويات الدخول.
تنوع الاقتصاد المصري يغرى بالمستثمر الذى تتوافر أمامه حوافز الاستثمار اللازمة أن ينوع محفظة الاستثمار خاصته لتشتمل على أصول عقارية ومشروعات صناعية وزراعية وسياحية وتحديدا خلال فترات عدم اليقين والاضطرابات التي تجتاح العالم والتي تتراجع فيها أهمية الخدمات والنقود أمام الاقتصاد الحقيقي.
تعد السياسة المالية من المفاهيم التي طرأت عليها تحولات كبيرة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والمالي، فهي المرآة التي تعكس الدور الاقتصادي والاجتماعي للحكومات وتشكل انعكاساً له في كل عصر.
ففي العصور القديمة كان دور السياسة المالية باهتاً جداً، ولم تكن هنالك دلالات واضحة على تكوين سياسة مالية قائمة ومنظمة ومنفصلة عن مالية الحكام في تلك العصور، وكانت مالية الدولة مرتبطة بمالية الحاكم وله فيها حق التصرف المطلق.
ومع بداية نشأة الرأسمالية في أوروبا وإعادة تشكيل الدولة الحديثة عاد مفهوم المالية العامة إلى الظهور، وأدت الدولة دوراً حيوياً في تراكم رأس المال التجاري وإقامة الصناعات، وكان هدف السياسة المالية في ذلك الوقت هو بناء أسس نظام اقتصادي جديد يقوم على أساس تحويل المجتمع من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع رأسمالي وتوفير الشروط الأساسية لهذا التحول، تمثلت في إيجاد المناخ المناسب لإقامة المشروعات الخاصة وظهور طبقة الرأسماليين الجدد وتطويرها.
لهذا اتسع النشاط المالي للدولة في بداية تشكل الرأسمالية. وبعد أن قامت الدولة بهذا الدور وحققت أهدافها في إرساء أسس النظام الليبرالي تراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وأصبحت أهداف السياسة المالية فيها تقتصر على حماية هذه الأسس وترك النشاط الاقتصادي للمبادرة الفردية.
أن هذا التفاؤل بمستقبل الاقتصاد ينبع من التطورات والتحديثات التي حدثت في بيئة الاستثمار والاقتصاد على المستوى “الموسع”، كما أن هذه التطورات تساعد على الاستفادة من المزايا التنافسية التقليدية للاقتصاد المصري، المتمثلة في كبر حجم السوق والعمالة الماهرة، وانخفاض التكلفة.
أنه على الرغم من صعوبة قرار تحرير سعر الصرف إلا أنه قد أدى إلى نتائج مبهرة، خصوصا فيما يتعلق بخفض عجز الموازنة، وتحسين مؤشرات الاقتصاد المصري، وهى أشياء لم تكن تحدث بدون هذا القرار الشجاع.
ربما لا يختلف احد على صعوبة الاوضاع الاقتصادية في مصر، والحاجة الى مجهود هائل لدفع عجلة الاستثمار والنمو، وتوفير فرص العمل لملايين من الشباب الذين يتدفقون الى اسواق العمل باستمرار، ورفع مستوى معيشة المواطن المصري بشكل عام. ولكن، على الرغم من الاتفاق على قسوة الازمة الاقتصادية وضرورة التصدي لها،
هناك خلافات كثيرة حول السياسات والاجراءات اللازم اتباعها للتعامل مع هذه الازمة، خاصة الاجراءات اللازمة لعلاج عجز الموازنة العامة في مصر، والتي تتضمن تخفيض الدعم على قطاع الطاقة، الأمر الذي يؤثر على مستوى معيشة شرائح واسعة من المصريين. وفي ظل هذه الأفكار أصبحت السياسة المالية للدولة، هي سياسة حيادية وتقلص نطاق النفقات العامة إلى أقل مدى واقتصرت على الأعمال التي يصعب على الرأسمالي القيام بها والتي لا تدر عليه ربحاً، وذلك من أجل جعل الضرائب أقل ما يمكن، كي لا تؤثر في تلك المبادرة، وأصبح التوازن المالي هو هدف السياسة المالية في تلك الحقبة ودور المالية العامة اقتصر على الهدف المالي المتمثل في الحصول على الإيرادات اللازمة والمساوية لتكاليف نفقاتها العامة من دون أي هدف آخر، وكان للاقتصادي آدم سميث الدور الرئيس في تحديد ذلك في كتابه «ثروة الأمم» المنشور عام 1776.
إلا أن الأسس السابقة والتداعيات الناجمة عن تطور العملية التصنيعية والتكنولوجية وأثر ذلك في الوضع الاجتماعي، وظهور الأزمات الاقتصادية مهد الطريق لإعادة النظر في هذه الأسس فتطورت النظرة إلى المالية العامة، لتصبح سياسة تستخدم فيها الحكومة برامج الإنفاق العام والإيرادات العامة، لتحدث آثاراً مرغوبة في كل من مكونات الاقتصاد الكلي وتمنع عنها الآثار غير المرغوبة.
أن تحرير سعر الصرف تم بسلاسة وباحترافية غير مسبوقة وخلق مناخًا جاذبًا للاستثمار، وأن احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ارتفع بشكل يفوق التوقعات السابقة، وأن عام 2017 هو عام إعادة التوازن للاقتصاد وليس التعافي الكامل، وأن انخفاض مستوى النمو وارتفاع مستوى التضخم أهم تحديات الاقتصاد في المرحلة المقبلة.
ان السياسة التوازنية والتي اعتمدها البنك المركزي المصري، إلى الإنجاز غير المسبوق الذى حققته مصر في مجال التحول من نظام السعر الثابت إلى نظام تحرير سعر الصرف الذى أصدره طارق عامر، محافظ البنك المركزي، أن هذا الانتقال تم بسلاسة واحترافية فائقة، وأن هذه البداية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر تعتبر بداية استثنائية وغير عادية، نظرًا للقدرة الفائقة على اجتياز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر.
ان برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى تنفذه مصر بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقوم على أربع ركائز:
1-إعادة التوازن إلى الاقتصاد من خلال تعديل بعض السياسات المالية والنقدية والتغيير فى سياسة سعر الصرف.
2- تقوية نظام الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي من خلال إعانات الطعام والدعم النقدي.
3-إصلاح هيكلي يؤدى إلى ارتفاع درجة النمو الاقتصادي، وإلى تحقيق النمو الشامل، وخلق المزيد من فرص العمل، وتشجيع التصدير.
4-تحقيق الاستقرار من خلال زيادة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية.
أنه قد تحقق قدر كبير من التقدم في كل مجال من هذه المجالات الأربعة خلال الأربعة أشهر الماضية “من 3 نوفمبر وحتى الآن” غير أن هناك المزيد الذى يجب القيام به في كل مجال من هذه المجالات.
أن هذا الإصلاح الاقتصادي يأتي بعد 6 سنوات من الركود وضعف المؤسسات في أعقاب أحداث 25 يناير 2011، وأن اختيار رئيس البنك المركزي الجديد في نهاية 2015 كان له دور رئيس في هذا التحول الاقتصادي.
لان قانون القيمة المضافة VAT، الذى وافق عليه مجلس النواب في أغسطس 2016، يعتبر من أبرز السياسات المالية الجديدة، والتي ستؤدى إلى ارتفاع الدخل القومي من الضرائب التي تصل حاليًا إلى 13٪ من إجمالي الناتج المحلى GDP، وهى نسبة أقل بفارق 2٪ عما كان عليه الحال قبل 25 يناير 2011، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 15٪، وفق توقعات صندوق البنك الدولي، في العام المالي 2020 – 2021. أن عام 2017 هو عام إعادة التوازن للاقتصاد، وليس هو عام التعافي الكامل، فالاقتصاد المصري يبدأ حاليًا من مستويات منخفضة للغاية، وعليه أن يقوم بالتوازن، غير أن المستقبل مبشر، في ضوء إمكانيات مصر الحقيقية، وفى ضوء القدرة على إعادة الأمور إلى شكلها الصحيح، في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي.
أنه رغم أهمية الإصلاحات التي تمت في مصر، وعلى رأسها تحرير سعر الصرف، وخفض سعر المحروقات، في استعادة التوازنات في مؤشرات الاقتصاد الكلى، مما انعكس إيجابيًا على تفاعل المستثمرين في مستقبل الاقتصاد المصري، إلا أنه يجب استكمال هذه الإصلاحات بمجموعة من استراتيجيات التنمية القطاعية الكفيلة، بمعالجة الاختلالات القائمة فى مختلف القطاعات الاقتصادية في مصر.
أن التأثير الإيجابي لتلك الإصلاحات، بما فيها إصدار قانون الاستثمار الجديد، يمتد ليشمل كل الأنشطة الاقتصادية، وليس فقط قطاع الصناعة التحويلية،
وبالتالي إجراء تلك الإصلاحات لا يضمن تلقائيًا إحداث تغيير هيكلي، داخل الاقتصاد، والوصول بالصناعة المصرية، لتلعب دور القطاع الرائد في الاقتصاد المصري، وبالرغم أن وزارة التجارة والصناعة، قد أعلنت عن استراتيجيتها لتعزيز تنمية الصناعة والتجارة الخارجية خلال العام الماضي إلا أنها قد افتقدت الترابط بين محاورها المختلفة، كما لم يتم حتى الآن الإعلان عن استراتيجيات للتنمية القطاعية للصناعات المستهدفة، تعتمد على تحليل سلسلة القيمة، في تلك الصناعات، والعمل على معالجة المشاكل، التي تعانى منها تلك الصناعات، على طول سلسلة القيمة، بما يضمن في النهاية زيادة القيمة المضافة الصناعية، وخفض الواردات، وخاصة مستلزمات الإنتاج.
أهمية الشفافية في اتخاذ القرارات ووجود رؤية واضحة للسياسات الاقتصادية، وفهم عميق، للتربيطات المتبادلة بين السياسات الاقتصادية المختلفة، سواء على المستوى الكلى أو على مستوى السياسات القطاعية.