
في زمنٍ لا يُقاس فيه التأثير بعدد الكتب التي نُشرت، بل بعدد المشاهدات التي حققها مقطع مصور، أصبح “الترند” سيد الموقف، ومع صعود تطبيقات مثل تيك توك وبرامج الدردشة الحديثة، بات الشباب يركضون خلف الشهرة الرقمية ولو كانت على حساب القيم أو القانون.
لكن الوجه الآخر لهذا المشهد مروّع: صناع محتوى يتحولون إلى متهمين في قضايا غسيل أموال، تحريض على الفجور، نشر محتوى خادش للحياء، بل والاتجار بالبشر..فهل ما زالت المنصات الرقمية مجرد وسائل ترفيه بريئة أم أصبحت بوابات مفتوحة على جحيم أخلاقي وأمني..”آى سى تى-مصر” تجيب على هذه التساؤلات.
سقوط نجوم التيك توك
في واحدة من أشهر القضايا التي شغلت الرأي العام، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مودة الأدهم وحنين حسام، بتهم التحريض على الفسق والفجور، واستغلال القُصر في أعمال منافية للقيم، من خلال مقاطع فيديو على تيك توك تروّج لأعمال مشبوهة مقابل المال، وقد كشفت التحقيقات تورطهن في إدارة صفحات على الإنترنت تتضمن دعوات للفتيات للانضمام إلى “وكالات بث مباشر”، بما يشكل وفق القانون المصري جريمة اتجار بالبشر، وفى هذا الصدد صرح النائب العام: “هؤلاء الفتيات لم يكنّ مجرد ضحايا سوشيال ميديا، بل تحولن إلى أدوات للتربّح غير المشروع عبر استغلال المراهقين”.
وفي مشهد آخر، واجهت صانعة المحتوى المعروفة باسم “شيري هانم” وابنتها “زمردة” تهمًا بالتحريض على الفجور وخدش الحياء العام عبر مقاطع تنطوي على إيحاءات جنسية صريحة، وقد كشفت النيابة أن الأم وابنتها تربحتا مبالغ ضخمة بالدولار من خلال منصات الفيديو، ما دفع الجهات المعنية لتوجيه تهم غسيل أموال إلى جانب الجرائم الأخلاقية.
وألقت مباحث الإنترنت القبض على إحدى صانعات المحتوى في محافظة الدقهلية، بعد رصد مقاطع تظهرها ترقص بطريقة غير لائقة داخل منزلها، مع الإشارة إلى تورطها في عمليات غسيل أموال قادمة من تجارة المخدرات، هذه الحالة سلطت الضوء على ارتباط بعض محتوى التيك توك بتمويلات غير مشروعة، حيث يُستخدم “المحتوى” كواجهة لإدخال الأموال القذرة في الاقتصاد الرسمي عبر منصات رقمية.
يقول طارق الديب، المحامي بالنقض: “ما يحدث على تيك توك من تجاوزات يندرج تحت بند الجرائم الإلكترونية، ومعظم من تم القبض عليهم يواجهون تهمًا مركبة: التحريض على الفجور، الاتجار بالبشر، وغسيل الأموال، وكلها جنح أو جنايات تصل عقوباتها إلى الحبس المشدد والغرامة”..ويضيف: “التربّح من وراء محتوى خادش أو مسيء عبر الإنترنت لا يُعد حرية تعبير، بل هو مخالفة صريحة للقانون، خاصة حينما يُستدرج القُصر أو تُستغل النساء في سياقات استغلالية واضحة”.
خلل في منظومة القيم
الدكتورة عزة عبدالجواد، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تشير إلى أن: “ظاهرة صناع المحتوى المسيء تكشف عن فراغ قيمي وفكري لدى بعض فئات الشباب”، وتضيف: “نحن أمام جيل يُقاس نجاحه بعدد المتابعين، لا بحجم الإنجاز أو أثره المجتمعي”..وأوضحت: “الخلل الأخطر أن بعض هذه الشخصيات أصبحت قدوة لجيل جديد من المراهقين، الذين يعتقدون أن طريق الشهرة يمر عبر خلع الحياء أو تجاوز القانون، وهو ما يمثل قنبلة مجتمعية موقوتة”.
مسؤولية الإعلام الرقمي
يرى الدكتور أحمد صبري، خبير الإعلام الرقمي أن: “المنصات مثل تيك توك لا تتحمل وحدها مسؤولية المحتوى، بل المستخدم أيضًا، فالمشكلة تكمن في غياب الوعي الرقمي، وضعف الثقافة القانونية لدى الشباب”..وأضاف: “الحل ليس فقط في الرقابة الأمنية، بل في التثقيف الرقمي، وتعليم الأطفال منذ الصغر ما يُسمى بالمسؤولية الرقمية”..ويشير: ليست كل منصات الدردشة أو تطبيقات الفيديو مرفوضة، بل هي أدوات عصرية قوية، ولكنها تتطلب نضجًا في الاستخدام، ومسؤولية في التفاعل، وضميرًا في النشر، وإلا فإن “الشهرة” التي يسعى إليها البعض على تيك توك، قد تتحول إلى شهرة من نوع آخر.. صورة في الصحف، داخل قاعة محكمة، وتحت عنوان: المتهم في قبضة العدالة!
الدولة تتحرك
خلال الشهور الماضية، كثفت النيابة العامة المصرية وإدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية تحركاتها للحد من انتشار المحتوى الفج، مع تنفيذ عشرات الضبطيات في محافظات مختلفة، شملت صناع محتوى، ومموّلين، ومُخططين، وتؤكد التقارير الرسمية أن هذه الحملات لا تستهدف تقييد حرية التعبير، بل تحمي المجتمع من التحلل الأخلاقي والتفكك الأسري، الذي قد ينتج عن بث قيم هدامة.