كشفت دراسة استبيانية عن مخاطر كبيرة مرتبطة بالتحول الرقمي، حيث أقر 41% ممن شملتهم الدراسة بأن مؤسستهم قد خضعت بالفعل لتحقيقات إنفاذ من قبل الجهات التنظيمية بسبب ضعف التكنولوجيا المطبقة أو سوء تنفيذها.
ووفقًا لهذا البحث الجديد بعنوان “عملة الوصل: حشد التكنولوجيا من أجل تكامل الامتثال”، من المرجح أن تظهر التحقيقات فيما يتعلق بخصوصية البيانات والأمن السيبراني، فضلاً عن الضرائب وأسعار التحويل والاحتيال ومكافحة الاحتكار.
ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يكشف البحث أن فِرق الامتثال، التي غالبًا ما تكون خط دفاع رئيسي ضد هذه التحقيقات، مستبعدة إلى حد كبير من عملية صنع القرار بشأن التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك ثلث الشركات التي شملها الاستطلاع والتي تعتقد أن مؤسستها تستخدم تكنولوجيا جديدة دون أي اعتبار للامتثال المحتمل والمخاطر التنظيمية على الإطلاق.
وتأتي هذه النتائج الصارخة في وقت أدت فيه جائحة كورونا إلى تسريع التحول الرقمي للشركات في جميع أنحاء العالم بشكل كبير، وهو ما يجتذب بدوره مزيداً من التدقيق من قبل الجهات التنظيمية.
وفي الواقع، يتوقع ما لا يقل عن 60% “64% على مستوى العالم و59% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” من قادة الامتثال أن التدقيق في نماذج الأعمال التي تدعم التكنولوجيا وقضايا خصوصية البيانات ستحتل الآن المرتبة الأولى في “قوائم المهام” الخاصة بالجهات التنظيمية التي يتبعونها.
هذا وقد صرح لويس جوميز، شريك في قسم المنافسة في شركة بيكر مكنزي، ومقرها لندن، قائلاً “إن فحص تقلبات السوق كان أحد مجالات التركيز: “تصارع الجهات التنظيمية الآثار المترتبة على التكنولوجيا فيما يتعلق بمكافحة الاحتكار والقوى السوقية، ويؤكد الكثيرون أنه متى كانت ممارسة “تقلبات الأسواق” في السابق أبسط نسبيًا في تحديدها ومعالجتها، فإن هذه القوى الآن غالبًا ما تكون غير قابلة للكشف إلا بعد فوات الأوان”.
وأضاف إن البيانات عبارة عن عُملة، ويمكن للمؤسسات -كما يزعم البعض- توجيه الأسواق لصالحها من واقع الوصول إلى البيانات ذات القيمة الفريدة، ويمثل هذا جبهة جديدة مليئة بالإشكاليات ومثيرة للجدل فيما يتعلق بالمنافسة وإنفاذ مكافحة الاحتكار والتي من المرجح أن تبدأ خلال العقد المقبل.”
ومن أجل تحفيز كفاءاتهم وإدارة ضغوط التكلفة -حيث شهد 56% من قادة الامتثال على مستوى العالم و68% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تخفيض ميزانياتهم بسبب جائحة كورونا- ومواكبة التحول الرقمي للمؤسسات الأوسع التي ينتمون إليها، فإن الفرق نفسها تتجه بشكل متزايد إلى التكنولوجيا، وبينما تركز هذا إلى حد كبير حتى الآن على تخفيف العبء الإداري، فإن معظم فرق الامتثال بصدد استثمارات أكثر طموحًا.
ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تخطط 32% من الشركات التي شملتها الدراسة لاستثمار ما بين 3 إلى 5 ملايين دولار في تكنولوجيا الامتثال الجديدة في المستقبل.
ووفقًا لجوانا لودلام، الرئيس المشارك العالمي، قسم الامتثال والتحقيقات العالمي، شركة بيكر مكنزي:”تخطط الغالبية العظمى من قادة الامتثال في غضون العامين المقبلين لمواصلة تبني تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية ضمن الوظيفة، ونشهد بالفعل بعض الاستخدام المتقدم للأدوات الرقمية بين فرق الامتثال المدعومة بالتكنولوجيا – بما في ذلك الروبوتات للعثور على المعلومات وتقديمها كجزء من التدريب على الامتثال والأنظمة المدعومة بالبيانات المصممة لتحديد أنماط السلوك المثيرة للقلق.”
ومع ذلك، لا يزال تعظيم قيمة تكنولوجيا الامتثال يمثل تحديًا للكثيرين؛ حيث أفاد ما لا يقل عن 50% من قادة الامتثال -56% على مستوى العالم و50% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- أن تكنولوجيا الامتثال تحقق هدفها الأساسي بفعالية.
كما تواصل الجهات التنظيمية في بعض الحالات محاولة اللحاق بالركب، حيث أفاد 52% من قادة الامتثال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الافتقار إلى التوجيه المتسق بشأن تكنولوجيا الامتثال من الجهات التنظيمية يمثل عائقًا أمام المزيد من تبني التكنولوجيا.
كما صرح بوريس داكيو، الرئيس المشارك للامتثال والتحقيقات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ورئيس قسم الامتثال في الشرق الأوسط، شركة بيكر مكنزي، قائلاً:”تشكل المشاريع المشتركة والترتيبات الأخرى مع شركاء الأعمال الرئيسيين مخاطر امتثال كبيرة مثل قضايا تضارب المصالح والرشوة والفساد، وذلك في ظل غياب الفحص المناسب والعناية الواجبة في الامتثال”.
ونظرًا إلى أن فحص الطرف الثالث غالبًا ما يتطلب معلومات أكثر دقة وغير عامة ولا سيما في الشرق الأوسط، تحتاج الشركات إلى النظر في مدى استثمارها في أدوات الفحص المدعومةبالتكنولوجيا وفحوصات النزاهة خاصة في عصر التحول الرقمي الذينشهده. ويعد الوصول إلى البيانات المهمة حول شركاء الأعمال أمرًا أساسيًا لفهم الجهة التي تتعامل معها ولتحديد إشارات الإنذار بوجود أوجه عدم امتثال عند إبرام اتفاقيات مشروعات مشتركة،ولا سيما في الأسواق ذات المخاطر العالية.
ويكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا بشكل خاص في إدارة مخاطر الطرف الثالث، إذ يمكنه استخراج معلومات المصادر العامة المتعلقة بشركاء الاستثمار ومقارنتها وتحليلها لتكوينروابط قد لا يمكنتكوينها بخلاف ذلك وتسليط الضوء على المخاطر التي قد تظل دفينة لولا ذلك. ويمكن للذكاء الاصطناعي حال استخدامه بهذه الطريقة أن يوفر رؤية متعمقة وشفافية أكبر بشأن اتخاذ قرارات الاستثمار والمشتريات، مما يسهل تقييم بؤر المشاكل المحتملة.
كان المشاركون في الدراسة في هونج كونج / الصين هم الذين سيشهدون على الأرجح تحولاً رقمياً متسارعاً بسبب جائحة كورونا؛ حيث أفاد 72% من المشاركين في هونج كونج / الصين عن هذا الاتجاه مقارنةً بنسبة 52% في الولايات المتحدة و47% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها متقدمة بالفعل في سباق التكنولوجيا، ولا سيما مع استخدامها للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
إن تسارع وتيرة التحول الرقمي يؤدي أيضًا إلى مزيد من المخاطر؛ ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أفاد 32 في المائة من قادة الامتثال أن مؤسستهم تستخدم التكنولوجيا دون مراعاة مخاطر الامتثال، وأفاد 41 في المائة أن شركتهم قد خضعت بالفعل لتحقيق امتثال ذي صلة، وجاءت المملكة العربية السعودية ومصر في مرتبة عالية بشكل خاص بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يتعلق بافتقار الشركات إلى الشفافية في قرارات شراء التكنولوجيا.
وعلّقت كيلي بليث، مستشار ورئيس قسم البيانات والتكنولوجيا في شركة بيكر مكنزي بدولة الإمارات العربية المتحدة، قائلةً: “لا شك في أن جائحة كورونا قد عجلّت بالتحول الرقمي في جميع قطاعات السوق، وإن كان ذلك بسرعات مختلفة، وبالإضافة إلى الفوائد التحويلية، تؤدي وتيرة التغيير إلى ظهور مخاطر جديدة للمؤسسات وهي تبتكر نماذج أعمالها وتحاول الحفاظ على الامتثال مع وجود مشهد تنظيمي دائم التغير”.
وفي ظل غياب تقييم شامل لمخاطر التكنولوجيا، من الممكن أن يكون “للتحول الرقمي السريع” تكلفة عالية، فلم تحرز الجهات التنظيمية في الشرق الأوسط أي تقدم في مجال حماية البيانات والأمن السيبراني كأولويات تشريعية يجب تناولها في رحلتها لتصبح اقتصادات قائمة على المعرفة، وسنستمر في رصد الجهات التنظيمية الإقليمية وهي تقوم بإصلاح وتعزيز أطرها التشريعية الوطنية لتحسين إدارة استخدام البيانات وإدارة المخاطر المرتبطة بالتقنيات الجديدة.
وانعكاسًا للاتجاه العالمي، فسوف تسعى الجهات التنظيمية الإقليمية أيضًا بشكل متزايد إلى فرض عقوبات صارمة على تلك الشركات ذات أطر الامتثال الضعيفة.”