تقرير يرصد التحديات الهيكلية والاستراتيجية لشركة إريكسون

تُعد شركة إريكسون السويدية واحدة من أبرز اللاعبين في عالم معدات الاتصالات وشبكات الجيل الخامس (5G)، لكن نجاحها التقني الملموس يخفي خلفه سلسلة من التحديات الهيكلية والاستراتيجية التي تؤثر على قدرتها التنافسية واستدامة نموها في أسواق متعددة.

1. ضعف الأداء في بعض الأسواق الإقليمية وتأثيره على الإيرادات

رغم ريادتها في تقنيات الشبكات، تواجه إريكسون تباينًا في الأداء الإقليمي، خصوصًا في أسواق آسيا والشرق الأوسط، حيث تراجع الطلب أو تزايدت المنافسة المحلية:

الصين، أكبر سوق للاتصالات في العالم، فرضت قواعد وطنية صارمة تتطلب فحص عقود الشركات الأجنبية من قِبل “إدارة الإنترنت والأمن السيبراني” في عمليات قد تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر.

ويُقال إن حصة إريكسون في سوق الشبكات الصينية انخفضت بشكل حاد من نحو 12% في 2020 إلى حوالي 4% بحلول 2024، ما يعكس تراجعًا كبيرًا في حصتها السوقية بسبب هذه السياسات وتفضيل الموردين المحليين، مثل هواوي وZTE. 

في الأسبوع الأخير وحده، تقريرٌ مستقل يشير إلى أن تحكم الصين في عقود المعدات المحلية يضع أمام إريكسون عقبات تشغيلية جوهرية مقارنة بمنافسيها المحليين، وهو ما ينعكس في تراجع المبيعات والإيرادات في تلك الأسواق. 

هذا التأثير يعكس حساسية الشركة العالية للتغيرات الجيوسياسية والتنظيمية في أسواق كبيرة، ويؤثر مباشرة على قدرتها على تعويض ضعف الاستثمار في مناطق أخرى.

2. الاعتماد الكبير على التكنولوجيا التقليدية للشبكات وسط تغيّر شامل في نموذج الأعمال

إريكسون تعتمد بصورة كبيرة على مبيعات معدات الشبكات التقليدية كمصدر رئيسي للإيرادات، بينما يشهد القطاع تحولاً نحو الخدمات البرمجية والحلول المتكاملة السحابية:

* بالرغم من جهودها في توسيع نطاق الخدمات السحابية والبرمجيات، فإن النمو في هذا المجال لا يزال لا يعوّض تمامًا التباطؤ في طلب الأجهزة التقليدية.

* وفق نتائج أرباح حديثة، أظهرت الشركة انخفاضًا في المبيعات العضوية بنسبة 2% في الربع الثالث من 2025 رغم تحسن الهوامش، في دليل على ضعف الطلب أو تنافسية الأسعار في بعض المنتجات الأساسية. 

هذا يجعل الشركة أكثر تعرضًا لتقلبات دورة حياة الشبكات، حيث يتراجع الطلب على التجهيزات كلما اقترب السوق من مرحلة الاستقرار بعد نشر 5G، بينما الخدمات الرقمية المتقدمة لم تحل محل هذا الانخفاض بشكل كامل حتى الآن.

3. التحديات القانونية والتنظيمية وتأثيرها على السمعة والالتزام المؤسسي

واحدة من أبرز نقاط الضعف التاريخية لإريكسون كانت التحديات القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد والحوكمة:

* في 2019، رضخت إريكسون لفتح تحقيق واسع في الولايات المتحدة، ودفع أكثر من 1 مليار دولار كغرامات تحت قانون ممارسات الفساد الأجنبي (FCPA) بعد أن اعترفت بدفع رشاوى لمسؤولين حكوميين في عدة دول لكسب عقود. 

* في مارس 2023، أعلنت الشركة نيتها الاعتراف بالذنب ودفع غرامة إضافية تبلغ أكثر من 206 مليون دولار بعد خرق اتفاقية التسوية السابقة مع وزارة العدل الأمريكية، وذلك بسبب تقاعسها عن الامتثال الكامل لشروط الشفافية والمراقبة. 

هذه الأحداث لا تؤثر فقط على الميزانية التشغيلية للشركة، بل تمتد لتترك ندوبًا في صورتها المؤسسية وسمعتها أمام العملاء والمستثمرين، ما يجعلها عرضة للرقابة الصارمة ويزيد من تكلفة الامتثال القانوني.

4. التحديات الجيوسياسية وتأثيرها على فرص النمو

التوترات الدولية بين القوى الكبرى كان لها انعكاسات واضحة في استراتيجية إريكسون:

* تشديد الصين على تفضيل الشركات المحلية وتقييد وصول الموردين الأجانب مثل إريكسون ونوكيا يُعد جزءًا من سياسة أوسع للتقليل من الاعتماد على التكنولوجيا الغربية في البنية التحتية الحيوية. 

* الصين، التي تعد سوقًا مهمًا للعديد من الشركات التقنية، تستخدم سياسات الأمن القومي والعقود الطويلة الفحص لتقويض قدرة المنافسة الأوروبية، ما يقلص فرص إريكسون في تلك السوق ذات الإمكانات. 

هذه القيود ليست انتقائية؛ فهي تأتي في وقت تتزايد فيه المنافسة بين الدول لتعزيز قدراتها في تقنيات المستقبل، مثل 6G والبنية التحتية الرقمية الذكية، مما يجعل بعض الأسواق أكثر انعكاسًا لاعتبارات سياسية واستراتيجية من كونها اقتصادية بحتة.

5. التعقيد الإداري وبطء اتخاذ القرار

بحكم حجم إريكسون الكبير وانتشارها العالمي، فإن الهيكل التشغيلي متعدد الطبقات يمكن أن يؤدي إلى بطء نسبي في الاستجابة للسوق:

* عمليات إعادة الهيكلة المستمرة التي أعلنت عنها الشركة في 2025، مثل تغييرات القيادة وإعادة تنظيم قطاعات السوق، تأتي في سياق محاولة تحسين الكفاءة، لكنها أيضًا تعكس تحديًا داخليًا في التكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة بسرعة. 

* المنطق التنظيمي الراهن قد يعرقل سرعة اتخاذ القرار أو الاستجابة السريعة للفرص، خاصة عندما تكون المنافسة حادة ويطالب العملاء بمرونة عالية في العقود وتنفيذ الحلول.

اريكسون فى السوق المصرى 

وفيما يخص انعكاس هذه التحديات على عمل شركة إريكسون في السوق المصرية، فإن الصورة تبدو أكثر حساسية بحكم طبيعة السوق وديناميكياته التنظيمية والاستثمارية.

مصر تُعد من الأسواق الناشئة التي تعتمد فيها شركات الاتصالات على خطط إنفاق رأسمالي محسوبة بدقة، ما يجعل أي تباطؤ عالمي أو ضغوط على إريكسون في أسواق أخرى ينعكس بشكل غير مباشر على وتيرة التوسع ونطاق العقود المحلية.

كما أن اعتماد إريكسون الكبير على معدات الشبكات التقليدية يضعها أمام تحدٍ في مصر، التي تتجه تدريجيًا نحو التحول الرقمي والخدمات الذكية والشبكات الافتراضية، وهو ما يتطلب حلولًا أكثر مرونة وتكلفة تنافسية.

إلى جانب ذلك، فإن التشدد التنظيمي والحوكمة الصارمة الناتجة عن السوابق القانونية عالميًا يفرض على الشركة التزامًا إضافيًا في التعامل مع الجهات الحكومية المصرية، ما قد يطيل دورات التعاقد والتنفيذ.

كما تلعب التغيرات الجيوسياسية العالمية دورًا في إعادة ترتيب أولويات التوسع والاستثمار، وهو ما يجعل أداء إريكسون في مصر مرتبطًا بشكل وثيق باستراتيجيتها الإقليمية وليس بالسوق المحلي وحده، في ظل منافسة قوية من موردين عالميين وإقليميين يسعون لتعزيز حضورهم في مشروعات البنية التحتية الرقمية داخل البلاد.

خلاصة تحليلية

في حين أن إريكسون ما تزال لاعبًا تقنيًا قويًا في البنية التحتية لشبكات الاتصالات، فإن التحديات في الأسواق الإقليمية، واعتمادها على نماذج أعمال تقليدية، والامتثالات القانونية السابقة، والتغيرات الجيوسياسية، والهيكل المؤسساتي الكبير تشكل مجموعة من نقاط الضعف التي قد تحد من نموها وقدرتها على المنافسة في السنوات المقبلة.

هذه التحديات تتطلب من الشركة استراتيجيات تكيف مرنة، تحسين التوجهات السوقية داخل بيئات معقدة، وتعزيز الحوكمة الداخلية لموازنة التفوق التقني مع الكفاءة التشغيلية والاستدامة القانونية والاستراتيجية.

————————————-

ما هي التحديات التي تواجه إريكسون، كيف تؤثر التغيرات الجيوسياسية على شركات الاتصالات، تأثير القيود التنظيمية على شركات التكنولوجيا، دور إريكسون في تطوير شبكات الاتصالات في مصر، أسباب تراجع بعض شركات معدات الاتصالات، مستقبل إريكسون في الأسواق الناشئة، العلاقة بين الاستثمار الرأسمالي وشركات الاتصالات، تأثير التحول الرقمي على موردي الشبكات