جسور المستقبل: مصر والسعودية..شراكة استراتيجية في قطاع الاتصالات والتحول الرقمي.. تقرير خاص

لم تعد العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية مجرد إطار سياسي واقتصادي تقليدي، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى آفاق جديدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي أصبح اليوم محورًا رئيسيًا لتكامل الرؤى والمصالح المشتركة بين البلدين.
وجائت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة إلى المملكة، واستقباله من قِبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتؤكد أن التكنولوجيا والتحول الرقمي باتا من أبرز ركائز التعاون الاستراتيجي..”آى سى تى-مصر” ترصد تقريراً تفصيلياً للعلاقات التكنولوجية بين الشقيقتين.
يمتد التعاون المصري-السعودي في قطاع الاتصالات إلى عشرات السنين، إذ ارتبط البلدان عبر الكابلات البحرية والبرية التي تعبر البحر الأحمر، لتؤمّن ربطًا استراتيجيًا بين شبكات الاتصالات في المنطقة، وقد ساعد ذلك في دعم البنية التحتية للاتصالات الدولية، وتعزيز مكانة مصر والسعودية كمحاور رئيسية لحركة البيانات العالمية.
ومع تطور ثورة الاتصالات، انتقل التعاون إلى مستوى أعمق يشمل الحلول الرقمية، ومنصات الخدمات الحكومية الذكية، والاقتصاد الرقمي، حتى باتت العلاقة الرقمية بين البلدين نموذجًا يُحتذى به في العالم العربي.
في مصر: أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مشروع “مصر الرقمية”، الذي يهدف إلى رقمنة الخدمات الحكومية، وتمكين المواطنين من الوصول إليها بسهولة، إلى جانب جذب الاستثمارات في مراكز البيانات وخدمات التعهيد، وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي لصناعة تكنولوجيا المعلومات.
وفي السعودية: يقود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروع “رؤية 2030″، الذي يضع التحول الرقمي في قلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والابتكار في المدن الذكية مثل “نيوم”.
ويفتح التقاء هاتين الرؤيتين الباب أمام شراكة استراتيجية، تُحوِّل التكنولوجيا إلى أداة لتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط بين البلدين، بل على مستوى المنطقة العربية كلها.
وصرح وزير الاتصالات المصري الدكتور عمرو طلعت في أكثر من مناسبة بأن “التعاون مع المملكة العربية السعودية في المجال الرقمي يشكل ركيزة أساسية لدعم الاقتصادين المصري والسعودي، ويعزز من مكانة البلدين كمحورين رئيسيين للتحول الرقمي في المنطقة”.
فيما أكد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي المهندس عبد الله السواحة أن “مصر شريك استراتيجي في صناعة المستقبل الرقمي، وأن توحيد الجهود في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني ومراكز البيانات سيعود بالنفع على المنطقتين العربية والإفريقية”.
هذه التصريحات تعكس الإرادة السياسية المشتركة، وتجعل من التكنولوجيا محورًا حيويًا في العلاقات الثنائية.
وعلى مدار السنوات الماضية، وُقّعت عدة اتفاقيات وبروتوكولات تعاون بين القاهرة والرياض، شملت: (تبادل الخبرات التنظيمية بين الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بمصر وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية، بما يخص إدارة الترددات وتطوير البنية التحتية، والتعاون في الأمن السيبراني عبر برامج مشتركة للتدريب وبناء القدرات، لمواجهة التهديدات المتزايدة، ووضع برامج دعم الابتكار وريادة الأعمال، لتشجيع الشركات الناشئة المصرية والسعودية على العمل معًا في أسواق المنطقة، والاستثمارات المشتركة في مراكز البيانات والربط الدولي، لتعزيز موقع البلدين كمراكز محورية لنقل وتخزين البيانات بين آسيا وإفريقيا وأوروبا).
يمتلك البلدان فرصًا هائلة لتوسيع شراكتهما التكنولوجية، ليس فقط على المستوى الثنائي، بل أيضًا الإقليمي والدولي.
ففى إفريقيًا؛ يمكن لمصر أن تمثل بوابة للابتكارات السعودية إلى القارة، مستفيدة من عضويتها في الاتحاد الإفريقي وشبكة علاقاتها مع الدول الإفريقية.
وآسيويًا؛ تمتلك السعودية موقعًا استراتيجيًا يمكن أن يجعلها مركزًا رئيسيًا لربط البيانات بين آسيا وأوروبا عبر مشاريع ضخمة مثل الكابلات البحرية العابرة..وعربيًا يمكن أن يشكل التعاون المصري-السعودي نواة لقيادة التحول الرقمي العربي المشترك، عبر مبادرات موحدة في مجالات الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، والتعليم الرقمي.
وإذا كانت العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والسعودية قد شكّلت دائمًا قاعدة صلبة للأخوة بين الشعبين، فإن التكنولوجيا اليوم أصبحت اللغة الجديدة لهذه الأخوة.
فمن خلال المنصات الذكية، ومشاريع الذكاء الاصطناعي، والربط الرقمي، يترسخ بعدٌ جديد في العلاقة بين القاهرة والرياض، يعكس روح العصر، ويضع البلدين في موقع القيادة إقليميًا ودوليًا.
وتحمل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة واستقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان له، رسائل متعددة، من بينها أن المستقبل الرقمي لمصر والسعودية واحد، وأن الشراكة بينهما في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليست مجرد تعاون عابر، بل هي استراتيجية طويلة الأمد تستند إلى رؤية واضحة، وتستهدف بناء اقتصاد رقمي مشترك يواكب تحديات القرن الحادي والعشرين.
فالتكنولوجيا لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل تحولت إلى جسر جديد للوحدة العربية، وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية تقفان على ضفتيه لتقودا المنطقة نحو مستقبل رقمي مشرق.