أخبارالأرشيفانترنتمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: “الشماعة”..!!

اقتراح فصل الإنترنت يومياً لمدة 6 ساعات بحجة تقليل السهر وتحسين العلاقات الأسرية يفتح باب النقاش حول العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع. فهل المنع هو الحل؟

الاستماع للخبر

في وقت تتسابق فيه الدول نحو التحول الرقمي، وتتنافس فيه الحكومات على رفع كفاءة البنية التحتية للاتصالات، خرجت علينا إحدى أعضاء هيئة التدريس باقتراح يبدو خارج السياق، بل وخارج العصر ذاته، تدعو فيه إلى فصل الإنترنت ليلاً لمدة 6 ساعات يومياً، بحجة أن هذا “المنع المؤقت” سيسهم في تحسين نمط النوم، وتقليل السهر، ومعالجة ما وصفته بالتفكك الأسري.

الاقتراح -رغم غرابته- يسلط الضوء على إشكالية أكثر عمقاً، وهي اللجوء إلى أساليب العقاب الجماعي لمعالجة ظواهر اجتماعية معقدة، في تجاهل تام لطبيعة العصر الرقمي الذي نعيشه، ولحقيقة أن الإنترنت لم يعد مجرد وسيلة ترفيه، بل شريان حياة تتنفس من خلاله قطاعات الدولة المختلفة، من الصحة والأمن، إلى الاقتصاد والطاقة والتعليم.

الإنترنت ليس عدو

من المدهش أن يظل الإنترنت، بعد كل ما حققه من تمكين وتعليم واتصال وإبداع، محل اتهام دائم بأنه المسؤول عن “التدهور الاجتماعي”، و”تفكك الأسر”، و”اضطراب النوم”، بينما يغفل البعض حقيقة أن المشكلة ليست في الأداة، بل في طريقة الاستخدام.

نعم، هناك من يسهر طويلاً على منصات التواصل، وهناك من يبالغ في استهلاك المحتوى الترفيهي، لكن هل الحل يكمن في قطع الخدمة عن الجميع؟، أليس من الأجدر تعزيز الوعي الرقمي، وتثقيف الأفراد -خصوصاً الشباب- حول الاستخدام الرشيد، بدلًا من اللجوء إلى المنع القسري؟.

خدمات لا تنام

دعونا نتذكر أن الإنترنت اليوم لم يعد رفاهية أو خيارًا، بل بنية تحتية حيوية تقوم عليها: خدمات الطوارئ الصحية التي تعتمد على الاتصال الرقمي، أنظمة المراقبة الأمنية والمراكز الحساسة، منصات العمل والتعليم عن بُعد، المعاملات البنكية الإلكترونية والتحويلات المالية، أنظمة التحكم في الكهرباء والنقل والطيران..وغيرها.

هل يمكن إغلاق هذه الأنظمة لست ساعات كل ليلة؟، ومن يتحمل تكلفة الانقطاع؟، ومن يضمن عدم حدوث كوارث تقنية أو معلوماتية جراء ذلك؟.

المنع لا يُصلح المجتمعات

سياسات المنع -كما أثبتت التجارب- لا تخلق مجتمعًا واعيًا، بل مجتمعًا محبطًا يبحث عن وسائل للتحايل، الإصلاح لا يأتي بمقص الرقيب، بل بعين التربوي، ووعي المثقف، ومنهجية التوعية الذكية.

الأصل أن نُحسن إدارة علاقتنا بالتكنولوجيا لا أن نقطعها، أن نبني أجيالًا يعرفون كيف يستخدمون الإنترنت دون أن يُستَخدموا هم من خلالها، أن نصنع توازنًا بين الرقمنة والإنسانية، لا أن نختار بين أحدهما ونرفض الآخر.

كبش الفداء

من المؤسف أن يتحول الإنترنت إلى كبش فداء يُلقى عليه فشلنا في إدارة العلاقات الأسرية، أو “شماعة” نعلق عليها عجزنا عن تأهيل جيل رقمي قادر على التمييز بين الاستخدام الصحي والاستهلاك المفرط.

المنع ليس حلًا، والمجتمعات لا تنهض بقطع الاتصال، بل بفتح نوافذ المعرفة، وتعزيز المسؤولية الفردية، وبناء ثقافة رقمية راقية..ففي عالم لا ينام، لا يصح أن تُطفأ أنوار الاتصال.

error: Content is protected !!