
مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الاوسط بات الاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة مخاطرة استراتيجية، فحتى الدول الغنية بالغاز، كمصر، أصبحت تواجه ضغوطًا كبيرة على شبكاتها، خاصة في أوقات الذروة ومع اتساع الطلب الصناعي والسكني.
وما زاد الموقف تعقيدًا هو حالة الذعر العالمية من استمرار التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران، خاصة بعد تهديدات متكررة بغلق مضيق هرمز، الشريان البحري الذي يمر عبره نحو 20% من صادرات النفط العالمية..هذا السيناريو – إن حدث – كان كفيل بإحداث شلل في أسواق الطاقة، وارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار، واضطرابات في سلاسل الإمداد، مما يؤكد ضرورة أن تعتمد الدول، وعلى رأسها مصر، على مصادر داخلية آمنة ومستقرة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية..من هنا، لا ينبغي النظر للطاقة الشمسية كمجرد “مكمل”، بل كـ”ضامن مستقر” في منظومة أمن الطاقة القومي.
لم تعد الطاقة الشمسية رفاهية أو خيارًا بيئيًا بحتًا، بل أصبحت اليوم ضرورة استراتيجية للدول التي تسعى إلى تأمين مصادر طاقة مستقلة، مستدامة، وغير خاضعة لتقلبات السوق العالمي أو الأزمات الجيوسياسية، وفي مقدمة هذه الدول تأتي مصر، التي تمتلك واحدة من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم، وفرصة ذهبية للانطلاق نحو استقلال طاقوي حقيقي.
تقع مصر في “الحزام الشمسي العالمي”، وتتمتع بأكثر من 3800 ساعة سطوع شمسي سنويًا، ما يجعلها من أكثر الدول ملاءمة لتوليد الكهرباء من الشمس على مدار العام، ورغم امتلاك مصر أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في إفريقيا – مجمع “بنبان” الشمسي بأسوان – إلا أن هذا المشروع الضخم، الذي ينتج نحو 1.8 جيجاوات من الكهرباء، لا يمثل إلا بداية طريق طويل.
ورغم أن مصر وضعت استراتيجية طموحة للوصول إلى 42% من الطاقة المتجددة بحلول 2030، إلا أن التحرك العملي ما زال يحتاج إلى تسريع في عدة محاور، أهمها تحفيز القطاع الخاص عبر حوافز ضريبية وتعريفات عادلة لشراء الكهرباء المنتجة من القطاع المنزلي والصناعي، وتبسيط إجراءات الربط على الشبكة وتوفير بيئة تشريعية مشجعة، وتوطين الصناعة، من خلال دعم إنتاج الخلايا الشمسية والألواح محليًا، بما يضمن تقليل التبعية للاستيراد..والربط الإقليمي للطاقة، وهو ملف واعد خاصة مع دول أفريقيا والاتحاد الأوروبي.
حان الوقت لتسريع الخطى، وبناء شبكة طاقة شمسية قادرة على دعم الاقتصاد، وتأمين المستقبل، واستعادة دور مصر كمصدر للطاقة لا مستوردًا لها مصر تملك المقومات الجغرافية، والبشرية، والتقنية التي تؤهلها لتكون رائدة في إنتاج الطاقة الشمسية إقليميًا، حيث أصبح الاستثمار في الشمس “ضرورة أمن قومي”.