أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: “القاهرة دبي..رقمياً”

قبل أيام قليلة، أُسدلت الستار على فعاليات معرض “جيتكس دبي” وسط أجواء باهتة، وحضور أقل من التوقعات، وصدى إعلامي لم يبلغ طموح منظميه، الحدث الذي كان لسنوات الوجهة الأبرز لصنّاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط، بدا هذا العام وكأنه يعيد إنتاج نفسه دون روح أو رؤية جديدة، ليكشف بوضوح أن الزمن التكنولوجي في المنطقة لم يعد يتمركز في الخليج، بل يتحرك بثقة نحو القاهرة.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه تقييمات “جيتكس” تدور حول أرقام الحضور ومساحات العرض، كانت مصر تستعد لانطلاق الدورة التاسعة والعشرين من معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات – Cairo ICT 2025، تحت شعار «اكتشف آفاقًا لا نهائية»، لتعيد تعريف مفهوم “الحدث التكنولوجي” وتضع معيارًا جديدًا للتأثير والابتكار في المنطقة.

ما حدث في دبي هذا العام كان مفاجئًا حتى للمتابعين الأكثر تفاؤلًا؛ فبعد سنوات من الريادة، بدأ جيتكس وقد فقد توازنه بين المعنى والمضمون..المنصات اللامعة والعروض البصرية الضخمة لم تعد قادرة على إخفاء غياب الرؤية الجوهرية، إذ غاب النقاش الجاد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، وأمن البيانات، والتعليم الرقمي، وتحول المدن الذكية إلى منظومات خدمية حقيقية..بدأ الحدث، بحسب مراقبين، مهرجانًا تسويقيًا أكثر منه مؤتمرًا فكريًا أو منصة لصناعة المستقبل.

حتى الشركات العالمية الكبرى، التي طالما اعتبرت “جيتكس” منصة أولى للكشف عن أحدث حلولها، قلّصت مشاركاتها هذا العام، واختارت التركيز على المعارض المتخصصة أو الفعاليات المحلية الأكثر تأثيرًا..النتيجة كانت واضحة: حضور بلا زخم، وضوضاء بلا مضمون، ورسائل بلا هدف.

على النقيض تمامًا، يتهيأ Cairo ICT 2025 ليكون حدثًا مختلفًا في الشكل والمضمون، فالحدث المصري لا يكتفي بعرض التقنيات الحديثة، بل يصنع حالة فكرية حولها، أجندته الغنية تشمل محاور استراتيجية تمتد من الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتعليم الرقمي والمدن الذكية والرعاية الصحية الرقمية، إلى التكنولوجيا المائية والخضراء والحوسبة السحابية.

كل محور من هذه المحاور يرتبط بمشروعات واقعية في مصر والمنطقة، وليس بشعارات دعائية، هذا الفارق الجوهري هو ما يجعل Cairo ICT أكثر مصداقية في عيون المستثمرين وصناع القرار، فهو يقدم منصة للنقاش والتخطيط والتنفيذ، بينما اكتفى جيتكس مؤخرًا بأن يكون ساحة للعرض والتقاط الصور.

إن المقارنة بين المعرضين ليست مقارنة بين مدينتين، بل بين رؤيتين لمستقبل التكنولوجيا في المنطقة، ففي حين يسعى جيتكس لإبهار الحضور بعروض ضخمة وتصميمات متكررة، يركز Cairo ICT على تقديم حلول واقعية ترتبط بخطط الدولة المصرية للتحول الرقمي، وتطوير البنية التحتية للاتصالات، وتمكين الشباب ورواد الأعمال..القاهرة اليوم تتحدث بلغة التطبيق، لا الاستعراض، بلغة المبادرات والمشروعات والمخرجات، لا الأضواء والواجهات.

منذ تأسيسه قبل نحو ثلاثة عقود، نجح Cairo ICT في التحول إلى حدث قاري وعربي، يربط بين الشرق الأوسط وإفريقيا، ويجذب المستثمرين والعارضين من عشرات الدول..ومع كل دورة، تزداد مكانة المعرض كمركز فاعل لتبادل المعرفة والابتكار، خصوصًا في ظل الزخم الذي تشهده مصر في مجالات البنية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، وريادة الأعمال التكنولوجية.

وفي الوقت الذي بدأت فيه بعض المعارض الإقليمية تفقد بريقها نتيجة التركيز على المظهر دون الجوهر، تُثبت القاهرة أنها تملك معادلة النجاح الجديدة: مزيج من الرؤية الحكومية الواضحة، والدعم المؤسسي الجاد، والمشاركة المجتمعية الحقيقية في مسار التحول الرقمي.

اللافت أن Cairo ICT ينجح عامًا بعد عام في خلق نقاش جاد حول قضايا المستقبل، من الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الأمن السيبراني والتعليم الذكي، ويجمع في جلساته نخبة من الخبراء المحليين والدوليين وصناع القرار، في مناخ من الجدية والتفاعل الواقعي..تلك الميزة الفكرية والتنظيمية هي ما يفتقده جيتكس الآن، بعدما غابت عنه روح المبادرة والإبداع.

إن المشهد الإقليمي للتكنولوجيا يشهد تحولًا واضحًا: دبي كانت الساحة..لكن القاهرة أصبحت الوجهة..فبينما يبحث جيتكس عن طريق لاستعادة بريقه، يواصل Cairo ICT صعوده كمنصة عربية فاعلة تصنع الفارق، وتُرسّخ لمفهوم جديد للريادة التكنولوجية يقوم على المضمون لا المظهر، والابتكار لا التكرار.

ومن هنا، لا يبدو غريبًا أن تتجه أنظار المنطقة إلى القاهرة هذا العام، حيث الحدث الحقيقي يحدث هناك.

error: Content is protected !!