
بين الراحة الذهنية وكسل العقول شعرة، فمنذ أن اقتحمت تقنيات الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية، بات الإنسان يعتمد عليها في أبسط تفاصيله؛ من كتابة بريد إلكتروني، إلى إعداد مقترح بحثي، أو حتى صياغة قصة قصيرة، لكن، ورغم ما تحققه هذه الأدوات من توفير للوقت والجهد، تخرج دراسات حديثة لتحذر من أن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي خلال العامين والنصف الماضيين أدى إلى ضعف تدريجي في القدرات العقلية والإبداعية للإنسان.
هذه النتائج تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل أصبحنا أسرى التكنولوجيا التي صنعناها؟ وهل بات العقل البشري يتراجع أمام سرعة الخوارزميات ودقتها؟، فما يحدث مع الذكاء الاصطناعي يشبه إلى حد بعيد الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، في البداية، كانت أداة للتسلية والتواصل، ثم تحولت إلى استنزاف للوقت والطاقة الفكرية، واليوم، يتكرر السيناريو مع الذكاء الاصطناعي: الاعتماد على أدواته أو برامج توليد الصور والنصوص، أدى إلى خمول في القدرات العقلية، بحيث لم يعد الفرد يحتاج إلى تشغيل ذهنه بالقدر نفسه.
وتؤكد بعض الدراسات النفسية أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يقلل من نشاط الدماغ في مناطق التفكير النقدي والابتكار، مما يجعل الإنسان أكثر ميلاً إلى الحلول الجاهزة بدلاً من البحث والتفكير والتحليل.
الإبداع البشري، تاريخيًا، كان قائمًا على التجريب، المحاولة والخطأ، والقدرة على رؤية ما وراء المألوف، لكن عندما يجد الفرد بين يديه أداة تُقدّم له الحلول في ثوانٍ معدودة، تتراجع روح المغامرة الذهنية، وعلى سبيل المثال الطالب الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لكتابة أبحاثه، لن يطور مهارة الصياغة أو التحليل، والكاتب الذي يستخدمه لإعداد مقالاته، قد يفقد تدريجيًا “صوته الخاص” وأسلوبه، وحتى المبرمج الذي يستعين بالخوارزميات الجاهزة، سيجد نفسه أقل قدرة على ابتكار حلول جديدة خارج ما يطرحه النظام.
بهذا المعنى، نحن أمام خطر تآكل تدريجي لملكات الإبداع التي تميز الإنسان عن الآلة، لكن الإنصاف يقتضي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي ليس شيطانًا مطلقًا، بل هو أداة مذهلة إذا أحسنّا استخدامها، المشكلة ليست في التقنية ذاتها، بل في إدمان الإنسان عليها وتهميشه لقدراته الطبيعية.
الحل يكمن في صياغة علاقة متوازنة، أن نستخدم الذكاء الاصطناعي في تسريع الوصول للمعلومة، لكن نحتفظ بحقنا في التحليل والتأويل، أن نستعين به في أتمتة المهام الروتينية، دون أن نتخلى عن التفكير النقدي، أن يكون وسيلة إثراء للإبداع البشري، لا بديلًا عنه.
باتت هذه القضية ضمن التحديات المجتمعية والثقافية التي تواجه الدول، فإذا استمر الإنسان في الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، فقد نصل إلى عصر يمكن أن يُسمى بـ”الذكاء الكسول”، حيث لا يعود الإنسان هو المبتكر بل مجرد مستهلك لحلول جاهزة..لذلك، ربما تكون المعادلة الحقيقية واجبة التنفيذ هي: استخدم الذكاء الاصطناعي لكن لا تسمح له أن يفكر بالنيابة عنك.