أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: اللعب مع الجهاز..!!

الاستماع للخبر

المصري معروف بقوته وجبروته، ومعروف أيضاً بقدرته الفائقة على الالتفاف حول القوانين والبحث عن الثغرات ثم استغلالها بذكاء يكاد يكون “اختراعاً قومياً”، لكن ما لم أكن أتخيّله هو أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة من “الإبداع” في عالم التسويق العقاري.

القصة بدأت قبل سنوات قليلة..عندما شهدت السوق المصرية طفرة في الحملات الدعائية، ربما كانت أبرزها وأكثرها إثارة للسخرية حملة “الألمانية لإبادة الحشرات” التي علقت في أذهان الناس لسنوات، ومع خفوت هذه الموجة، دخل لاعب جديد إلى المشهد: شركات العقارات.

هذه الشركات لم تكتفِ باللوحات العملاقة على الطرق، ولا بإعلانات التلفزيون، بل قررت أن تطرق أبواب المصريين عبر هواتفهم المحمولة؛ فجأة، تجد نفسك تتلقى مكالمة من رقم مجهول، وبمجرد أن ترد، ينهال عليك سيل من العروض: “شقة في العاصمة”، “فيلا على البحر”، “استوديو بمقدم كام ألف”.

هذا السلوك المزعج أثار غضباً واسعاً، ومع تزايد الشكاوى، تدخل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بقرار غير مسبوق: توقيع غرامات مالية ضخمة على الشركات التي تنتهج سياسة المكالمات الدعائية غير المرغوب فيها، لكن النتيجة لم تكن كما توقعها الكثيرون..بعض الشركات ارتدع بالفعل، لكن الغالبية لم تعبأ كثيراً، وظلت المكالمات تنهال على الناس وكأن شيئاً لم يكن.

أمام هذا التمادي، قرر الجهاز اتخاذ خطوة أكثر حزماً: إيقاف أي خط محمول يثبت استخدامه في الدعاية العقارية، قرار صريح وواضح، لا يحتمل التأويل، هنا كان المنتظر أن تتوقف الإزعاجات نهائياً، لكن ما حدث كان عجيباً، حيث برزت براعة المصريين في “التلاعب مع قرارات الجهاز”.

كما قلنا في المقدمة: “المصري خير من يبحث عن ثغرات القوانين”؛ وبما أن القرار نص صراحة على “خطوط المحمول”، فقد قرر بعض المسوّقين العقاريين نقل نشاطهم إلى الخطوط الأرضية الثابتة، وبهذه البساطة، تحول القانون من أداة تنظيم إلى مجرد لعبة نصوص، وكأن الهدف ليس حماية خصوصية المواطن وإنما مجرد مباراة شد وجذب بين “الجهاز” و”المسوّقين”، والمفارقة أن هذا السلوك لم يكن مجرد مراوغة قانونية، بل تحايل على قيمة أكبر: الحق في الخصوصية.

فالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لم يتحرك من فراغ، بل استند إلى مبدأ عالمي يترسخ يوماً بعد يوم وهو حق المواطن في أن يعيش بعيداً عن الاختراق والإزعاج، لكن بعض الشركات تعاملت مع القرار وكأنه مباراة: “الجهاز شدّد على المحمول..إذن نلعب بالأرضي”.

ما يحدث مع التسويق العقاري ليس استثناءً، بل انعكاس لعقلية عامة في التعامل مع القوانين، كثيرون في مجتمعنا لا ينظرون إلى القانون باعتباره إطاراً يضمن العدالة والنظام، بل باعتباره “نصاً جامداً” يمكن الالتفاف حوله، فبدلاً من الالتزام بروح القانون، نبحث عن ثغراته، فالمصري حقاً قوي وجبار، لكن لو وجه هذه القوة نحو الالتزام لا المراوغة، لتغير وجه الحياة كلها، وربما عندها، بدلاً من “اللعب مع الجهاز”، نبدأ في اللعب لصالح أنفسنا ومستقبلنا.

error: Content is protected !!