أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: الممر الآمن..!!

الاستماع للخبر

لم تعد مفردات المستقبل تقتصر على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات، بل باتت تتطلب وعياً حقيقياً بالبنية التكنولوجية التي تحرك هذا العالم سريع التغير، وفي قلب هذه المنظومة، تبرز المدارس التكنولوجية التطبيقية كأحد أكثر المشاريع التعليمية طموحًا في مصر خلال العقد الأخير، لتكون جسراً فعالاً بين التعليم وسوق العمل، وبين المعرفة والتطبيق، وبين الحلم والواقع.

لعل أكبر مكاسب هذا المشروع الوطني الطموح أنه أعاد تعريف التعليم الفني والتكنولوجي من كونه “الخيار الثاني” إلى كونه المسار الذهبي للابتكار، عبر مدارس تطبيقية ذكية تقدم مناهج متطورة بشراكة حقيقية مع كبرى الشركات الصناعية والتكنولوجية في مصر والعالم.

إن هذه المدارس لا تقدم فقط شهادات تقنية عالية المستوى، بل تصنع جيلًا واعيًا بأدوات التكنولوجيا، مدربًا على احتياجات السوق، وقادرًا على المنافسة في أسواق العمل الإقليمية والدولية.

لم تأتِ هذه القفزة في فراغ. فمنذ إطلاق رؤية “مصر الرقمية”، وضعت الدولة نصب أعينها هدفًا واضحًا: توسيع قاعدة الكفاءات التكنولوجية المحلية، من خلال نشر المدارس التكنولوجية التطبيقية في مختلف المحافظات، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات..واليوم، بعد سنوات قليلة فقط من إطلاق النموذج الأول، توسعت هذه المدارس لتشمل عشرات التخصصات، من البرمجة وصيانة الشبكات، إلى الميكاترونكس والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وهو ما يفتح الباب أمام آلاف الطلاب للانخراط في مجالات كانت حكراً على خريجي الجامعات سابقًا.

وما يميز هذه المدارس ليس فقط برامجها التعليمية، بل طبيعة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ممثلاً فى العديد من الكيانات التي ترى في مصر خزانًا استراتيجيًا للمهارات التكنولوجية الشابة، والتي أثمرت عن إعداد مناهج قائمة على احتياجات السوق الفعلية، وتوفير تدريبات عملية داخل مصانع وشركات حقيقية، مما يجعل الطالب يكتسب المهارة من بيئة العمل ذاتها، لا من مجرد صف دراسي.

ليست هذه المدارس فقط قفزة تعليمية، بل هي نقلة اجتماعية أيضًا، لقد أعادت هذه المبادرة الاعتبار إلى التعليم الفني، ومنحت الشباب مسارات جديدة للترقي المهني والمادي، بعيدًا عن السعي التقليدي وراء شهادات جامعية غالبًا ما تُحصر في تخصصات نظرية لا تلبي متطلبات السوق، بل الأكثر من ذلك، أن هذه المدارس باتت تجذب اليوم أوائل الإعدادية وأبناء الطبقة المتوسطة، بعد أن أثبتت قدرتها على تأمين فرص عمل برواتب عالية، أو فتح الطريق أمام الدراسة الجامعية التكنولوجية لمن يرغب في استكمال مسيرته الأكاديمية.

وفي عالم تتسابق فيه الدول على اكتساب الاستقلال التكنولوجي، تبدو هذه الخطوة جزءًا لا يتجزأ من رؤية الأمن القومي المصري، حيث يشكل العنصر البشري القاعدة الأساسية لحماية الأمن السيبراني، وتعزيز الصناعات الرقمية، وتمكين الذكاء الاصطناعي، والتحول نحو الاقتصاد المعرفي.

ورغم كل النجاحات، إلا أن الطريق لا يزال بحاجة إلى تسريع التوسع الجغرافي، بحيث تصل هذه المدارس إلى القرى والمراكز، وليس فقط إلى المدن الكبرى، كذلك هناك حاجة مستمرة لتحديث المناهج باستمرار وفق التطورات التقنية، وتوسيع مجالات التخصص لتشمل مجالات مثل: الواقع المعزز، البلوكتشين، والاقتصاد الرقمي، كما ينبغي العمل على توطين التكنولوجيا، لا مجرد استيرادها، وهو ما يتطلب ربط هذه المدارس بمنظومة البحث العلمي، وتشجيع الطلاب على الابتكار وريادة الأعمال، لا مجرد التوظيف.

إن ما تفعله مصر اليوم في هذا المجال هو استثمار في المستقبل، لا مجرد إصلاح تعليمي. فمن يملك مفاتيح التكنولوجيا يملك مفاتيح النفوذ الاقتصادي والسياسي في العالم الجديد.

ولعل الأجدر بنا الآن أن ندعم هذه التجربة الوطنية بكل الوسائل، إعلاميًا ومجتمعيًا، لأن من بين جدران هذه المدارس قد يخرج أول مصري يصنع روبوتًا طبيًا يخدم إفريقيا، أو مبرمجة شابة تصمم تطبيقًا يغير وجه التعليم العربي.

error: Content is protected !!