
من يقف اليوم أمام شاشته، يفتح موقع التنسيق الإلكتروني، ويُدخل رغباته في ثوانٍ، لا يدرك – وربما لن يدرك أبدًا – حجم المعاناة التي تجرعتها أجيال سابقة، فقط ليحجزوا مقعدًا جامعيًا واحدًا في سباق ورقي مضنٍ، كانت فيه الطوابير أطول من صبرهم، والحرارة أعلى من آمالهم، والأخطاء اليدوية كفيلة بإعادة مستقبلهم إلى نقطة الصفر.
إنهم أبناء جيل Z، الجيل الذي فتح عينيه على عالم مرقمن، سريع، مريح، فيه كل شيء بضغطة زر: من التقديم للجامعات وحتى استلام شهادات الميلاد والزواج، دون أن يضطر لقطع مئات الكيلومترات أو الوقوف في ممرات الوزارات.
جيل لا يعرف معنى أن تقف في طابور “مكتب التنسيق” في جامعة القاهرة، أو أن تسافر من أسيوط إلى العاصمة فقط لتسليم ورقة صفراء، وتنتظر بعدها أسبوعًا في قلق مميت لمعرفة هل تم قبولك أم لا؛ جيل لم يعايش صوت الصراخ في المدرجات، أو التكدس على أبواب الموظفين، أو لحظة السهو القاتلة التي تكتب فيها كود الرغبة خطأ فتخسر حلمك الجامعي.
التحول الرقمي في مصر لم يكن ترفًا، بل ضرورة فرضها واقع متسارع، والجيل الحالي هو أوّل جيل يستفيد من هذه النقلة النوعية على نطاق واسع في كافة مناحي حياته التعليمية والاجتماعية، ويكفي مثال واحد: منظومة التنسيق الإلكتروني التي أطلقتها وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي وفرت على الملايين من الطلاب وأسرهم مشاقًا لا حصر لها.
نحن لا نتحدث عن تسهيل خدمة فقط، بل عن إعادة هيكلة لثقافة المجتمع نفسه، حيث لم تعد الخدمة مرتبطة بمكان، ولا الوقت بحاجة إلى موعد، ولا الطالب رهينة لموظف أو ورقة ضائعة.
من عاش قبل 2010 يعرف تمامًا ما معنى “مكتب التنسيق الرئيسي”، ذلك المبنى التاريخي بجامعة القاهرة الذي كان يكتظ بالطلاب من كل محافظات الجمهورية، يحملون أوراقهم وكشوفهم وشهاداتهم، بعضهم وصل ليلًا ليحجز دورًا، وآخرون افترشوا الأرصفة منتظرين دخولهم.
كانت تلك المشاهد اليومية خلال شهر أغسطس من كل عام جزءًا من طقوس دخول الجامعة، ممزوجة بالتوتر والرهبة، وكثيرًا ما كانت الأخطاء اليدوية تُطيح بآمال الآلاف، فتُنسى ورقة أو يُكتب الرمز خطأ، فتضيع الكلية.
أما الآن، فالطالب يجلس في منزله، يراجع تنسيق العام الماضي، يدخل على الموقع الإلكتروني، يرتّب رغباته، ويضغط “إرسال”، ثم ينتظر النتيجة على بريده الإلكتروني أو في تطبيق الوزارة.
جيل لم يذق مرارة “لازم تمضي الورقة دي من الموظف ده”، ولا سمع جملة “تعالى بكرة”، ولم يركض بين طابق وآخر بحثًا عن توقيع “مدام سماح” بشباك “6”.
رغم كل هذا التيسير، إلا أن هناك جانبًا آخر من القصة، فالجيل Z، رغم أنه يعيش عصرًا مريحًا، إلا أنه لا يشعر بقيمة ما حصل عليه بسهولة، لم يتعلّم الصبر في طابور، ولا دقة المراجعة في ورقة، ولا مرارة أن تضيع سنة كاملة بسبب سهو بسيط..فالتكنولوجيا، رغم أنها خلّصتنا من المعاناة، سلبت من الجيل الجديد جزءًا عظيماً من “الخبرة الإنسانية” التي شكّلت وعي الأجيال السابقة.
لم نعد نسمع عن “الخطأ في كتابة الرغبة”، لكننا أصبحنا نسمع عن “نسيان الرقم السري”، فالمسؤولية اليوم لم تعد في كتابة البيانات، بل في الوعي الرقمي، والحرص على المتابعة، والثقة في النفس، لأن التكنولوجيا ليست فقط أداة راحة، بل اختبار نضج.
بين جيل الطوابير وجيل التابلت فجوة تستحق التأمل، فمن السهل أن يسخر بعض شباب اليوم من معاناة آبائهم أو أساتذتهم الذين يتحدثون عن “الأيام الصعبة”، لكن الفارق ليس مجرد حنين إلى الماضي، إنه فارق بين جيل بَنَى الخدمات، وآخر استمتع بها، بين من حمل الورق على ظهره، ومن حمل هاتفًا في جيبه.
ولعل السؤال الآن: كيف نُقنع هذا الجيل بأن ما حصل عليه اليوم هو نتاج تضحيات سابقة؟ كيف نزرع فيه التقدير لا التباهي، والامتنان لا التذمر، والمسؤولية لا اللامبالاة؟
الجيل الحالي يملك كل الأدوات التي كانت أملًا بعيد المنال قبل سنوات، والخدمات الحكومية باتت أقرب إلى كونه مواطنًا في دولة ذكية رقمية، لكن الخطر أن يظن هذا الجيل أن الراحة حق مطلق، وأن كل شيء مضمون، وأن المشقة لا وجود لها بعد اليوم.
لقد تجاوزنا طوابير التنسيق، لكننا دخلنا طابورًا جديدًا من نوع آخر.. طابور المعرفة، والتنافس العالمي، والسباق نحو الابتكار.
جيل Z بين يديه مفاتيح عالم جديد، لكن عليه أن يعرف أن هذه المفاتيح لها أثمان.. دفعتها أجيال قبله، وعليه أن يحافظ على ما وصل إليه، ويطوّره، لا أن يعتبره من المسلّمات.
1. ما الفرق بين التنسيق الورقي والإلكتروني؟
2. كيف يتم التقديم على الكليات عبر الإنترنت في مصر؟
3. ما هي مزايا التحول الرقمي في خدمات التعليم؟
4. هل عانى طلاب الأجيال السابقة في التقديم للجامعات؟
5. من هو جيل Z؟ وما ملامح حياته الرقمية؟
6. كيف أثرت التكنولوجيا على الطلاب في مصر؟
7. متى بدأ تطبيق التنسيق الإلكتروني في مصر؟