
في اجتماعه الأخير؛ ناقش مجلس الوزراء المصري برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي واحداً من أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على الأمن القومي خلال السنوات الأخيرة: ملف الشائعات والأكاذيب وتأثيرها على استقرار الدولة..فمع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وتعدد المنصات الرقمية، تحولت الإشاعات إلى أحد أخطر أدوات زعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وهو ما دفع الحكومة إلى إعادة تقييم دور الأذرع الإعلامية داخل الوزارات والعمل على تطويرها.
تدرك الحكومة أن الأخبار المغلوطة ليست مجرد مواد ترفيهية تتداولها الصفحات، بل باتت سلاحاً موجهاً يمكنه التأثير على الرأي العام وإرباك الشارع وإحداث قلق اجتماعي، وقد شهدت الدولة المصرية خلال الفترات الماضية موجات متتالية من الشائعات التي مست ملفات اقتصادية واجتماعية وخدمية، ما جعل التعامل معها ضرورة أمنية وليست مجرد استجابة إعلامية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن هذا الملف استحوذ على جزء كبير من وقت اجتماع مجلس الوزراء الأخير، بسبب خطورته وارتباطه المباشر بوعي المواطن واستقرار المجتمع، وأكد رئيس الوزراء أن التعامل مع الشائعة يجب أن يكون سريعاً، مهنياً، ومدعوماً بالمعلومات الدقيقة، وهو ما يتطلب تفعيل دور إدارات الإعلام في كل وزارة.
اتخذ مجلس الوزراء قراراً وصفه مراقبون بأنه “تحوّل مهم” في الهيكل الإعلامي الحكومي، إذ شدّد المجلس على ضرورة دعم إدارات الإعلام في الوزارات المختلفة وتمكينها من أداء دورها بفاعلية، على أن يكون الوزير نفسه مسؤولاً عن متابعة هذه الإدارات وتقييم أدائها.
ويأتي هذا التوجه في ظل الحاجة إلى منظومة إعلامية حكومية موحدة قادرة على مواجهة ما يُنشر من معلومات غير دقيقة، وتقديم رواية رسمية واضحة وشفافة تُعزز الثقة بين المواطن والحكومة، فغياب المعلومة الرسمية عادة ما يفتح الباب أمام مصادر غير موثوقة تستغل الفراغ المعلوماتي وتقدّم روايات مغلوطة قد تتحول خلال ساعات إلى “قناعات شعبية”.
وخلص الإجتماع إلى أن تطوير الإعلام الحكومى رؤية تتطلب آليات جديدة، ووفقاً لما تمت مناقشته في الاجتماع، ولذا قررت الحكومة تعزيز قدرات فرق الإعلام داخل الوزارات عبر التدريب المستمر، وتوحيد الخطاب الإعلامي الرسمي بما يتوافق مع سياسات الحكومة، وتحديث أدوات التواصل الرقمي والاعتماد على منصات فعّالة تقدم محتوى سريعاً ودقيقاً..وكذلك توفير بيانات عاجلة للرأي العام حول الموضوعات التي تشهد تداولاً واسعاً على السوشيال ميديا.
كما يتوقع المراقبون أن تُمنح إدارات الإعلام صلاحيات أوسع للتفاعل المباشر مع الجمهور والرد على المعلومات المضللة، في إطار منظومة متكاملة لا تعتمد فقط على التصريحات الرسمية التقليدية، بل على حملات توعية رقمية ومحتوى إعلامي حديث.
وتعكس مناقشات مجلس الوزراء قناعة ثابتة بأن الأمن القومي لم يعد مرتبطاً فقط بالحدود والسياسة والاقتصاد، بل بالوعي الجمعي للمواطن، فالمعلومة المضللة اليوم قد تخلق حالة من التشكيك، تؤثر على القرارات الاقتصادية، وتربك المشهد العام، وتُستغل في التحريض وبث الفتن.
تبني الدولة لسياسة إعلامية أكثر انفتاحاً ووضوحاً هو خطوة استراتيجية لا تقل أهمية عن أي خطوات أمنية أو تشريعية، فالحفاظ على استقرار الداخل يبدأ – في كثير من الأحيان – من قدرة المؤسسات على بناء جسور ثقة مع المواطنين، عبر خطاب إعلامي مهني، دائم، وشفاف.
ويؤكد التوجه الحكومى الأخير أن مواجهة الشائعات ليست مهمة جهة واحدة، بل مسؤولية دولة بمؤسساتها وإعلامها ومواطنيها، فالقرار الصادر عن مجلس الوزراء يعكس رغبة واضحة في بناء منظومة إعلامية حكومية قوية، قادرة على التصدي للمعلومات المغلوطة، وتقديم حقائق سريعة، وبناء وعي مجتمعي يحمي الأمن القومي المصري من محاولات التشويه أو زعزعة الثقة.
وفي ظل التطور الهائل في أدوات البث والتواصل، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزاً كبيراً لدور الإعلام الرسمي، وتحولاً في طريقة إدارة الخطاب الحكومي، بما يتناسب مع طبيعة المعركة الرقمية الحديثة التي أصبحت فيها الشائعة أسرع انتشاراً من الحقيقة… لكن الحقيقة تبقى أقوى متى وجدت صوتاً يعلنها بثقة ووضوح.







