أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: رقمنة الأطراف..!!

لا يمكن قراءة افتتاح الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لفرعه الجديد بمدينة الغردقة باعتباره إجراءً إداريًا عاديًا أو توسعًا روتينيًا في الهيكل التنظيمي، بل هو اختبار حقيقي لمدى جدية الدولة في ترجمة شعارات التحول الرقمي ورؤية مصر 2030 إلى واقع ملموس خارج النطاق التقليدي للعاصمة والمدن المركزية.

ظل ملف الاتصالات أحد أكثر الملفات المقيدة بالمركزية المفرطة فى الحقبة الماضية، وتركزت سلطة التنظيم والرقابة والخدمة في قلب القاهرة، بينما تركت المحافظات، خاصة السياحية والحدودية، للتعامل مع تحديات البنية التحتية وجودة الخدمة بقدرات محدودة وآليات بطيئة، والنتيجة كانت فجوة رقمية لا تتسق مع دولة تعلن بوضوح سعيها لبناء اقتصاد رقمي تنافسي وشامل.

الغردقة، باعتبارها مدينة سياحية عالمية، ليست في حاجة إلى شبكات اتصالات قوية فقط، بل إلى تنظيم فعال، ورقابة حقيقية، وسرعة تدخل عند الخلل، فالسائح الذي يفقد الاتصال، والمستثمر الذي يعاني من ضعف الخدمة، لا يعنيه حجم الاستثمارات المعلنة بقدر ما يعنيه الأداء الفعلي على الأرض..ومن هنا، يصبح وجود فرع للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في المدينة ضرورة استراتيجية لا مجاملة مؤسسية.

التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة ليس تطبيقات حكومية ولا بوابات إلكترونية فحسب، بل منظومة متكاملة بدأت من التنظيم وتنتهي بحماية المستخدم وضمان جودة الخدمة، وأي خلل في هذه الحلقة يُفرغ مفهوم التحول الرقمي من مضمونه، ويحوّله إلى واجهة تقنية بلا عمق مؤسسي.

افتتاح فرع الغردقة يحمل رسالة سياسية وتنموية مزدوجة: الأولى أن الدولة تعي أن العدالة الرقمية لا تتحقق بمد كابلات الألياف الضوئية وحدها، بل بانتشار الجهة المنظمة نفسها؛ والثانية أن رؤية مصر 2030 لن تنجح إذا ظلت الرقابة والخدمة حبيسة المركز، بينما تتحمل الأطراف أعباء التنفيذ والنتائج..لكن السؤال الأهم يظل مطروحًا: هل يمثل هذا الافتتاح بداية مسار واضح لتعميم العدالة الاتصالية، أم مجرد استثناء محسوب؟.

نجاح التجربة في الغردقة يجب أن يُقاس بقدرة الفرع الجديد على حل الشكاوى بسرعة، وفرض معايير الجودة بصرامة، والتعامل مع الشركات من موقع القرب لا المكاتبات الرسمية البطيئة.

في المحصلة، فإن افتتاح فرع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالغردقة خطوة صحيحة، لكنها تظل خطوة أولى. فالمعيار الحقيقي لنجاح رؤية مصر الرقمية لن يكون في عدد الفروع المُفتتحة، بل في مدى شعور المواطن – أينما كان – بأن الدولة الرقمية وصلت إليه فعلًا، لا عبر الشاشات فقط، بل عبر مؤسسات حاضرة وفاعلة على الأرض.

error: Content is protected !!