أخباراتصالاتالأرشيف
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: شرطة “المحافظ” ..!!

في واحدة من أغرب القصص المالية اليومية، استردت العدالة مؤخرًا مبلغًا حوّله أحد المواطنين عن طريق الخطأ عبر تطبيق “إنستاباي”، ليس هذا فحسب، بل ألزمت الشخص الذي تسلّم الأموال بغير حق ورفض إرجاعها بدفع تعويض وغرامة..قصة قد تبدو استثنائية، لكنها في الحقيقة أصبحت جزءًا من روتين يومي يشهده آلاف المستخدمين لمحافظ المحمول والتطبيقات البنكية السريعة التي باتت جزءًا من حياة المصريين.

ومع كل سهولة تتيحها هذه الوسائل الحديثة، يطلّ سؤال مُلحّ، لاح على خاطر كل من جرّب مرارة تحويل مالي خاطئ: هل سنرى قيودًا أكثر صرامة لإعادة الأموال المُحوَّلة بالخطأ؟، وإن طُبِّقت.. فهل تحل المشكلة أم تزيدها تعقيداً؟..هذه الأسئلة نضعها اليوم أمام شركات المحمول الأربع التي تدير محافظ الهواتف المحمولة في السوق المصرية: فودافون كاش، أورنج كاش، اتصالات كاش، وWE Pay.

التحويل عبر الهاتف المحمول أصبح كتنفُّس الهواء: سريع، وتلقائي، وضروري، ولكن كغيره من الأمور السريعة، يترك مساحة واسعة جدًا للخطأ، قد يكون بحرف ناقص، رقم زائد، أو تشابه أسماء في قائمة جهات الاتصال..ثم يجد المواطن نفسه في دوامة: المَرسل يستميت لإسترجاع الأموال، الفلوس، والمستلم يصرّ على عدم الرد..وهنا تبدأ المأساة التي توضح فجوة تشريعية وتنظيمية لا تزال مفتوحة رغم انتشار المحافظ الإلكترونية بشكل هائل خلال السنوات الأخيرة.

الحكم الأخير الذي ألزم المتسلّم المخطئ بإعادة المبلغ وغرامة وتعويض، يعكس توجّهًا قضائيًا مهمًا: الأموال المحوّلة بالخطأ ليست هدية، ولا يجوز التمسّك بها تحت أي مبرر، لكن المشكلة ليست في حكم لاحق؛ المشكلة في استرداد المال قبل أن يستخدمه الطرف الآخر، وهنا يكمن التحدّي الأكبر، فالقانون واضح، لكن الإجراءات أبطأ مقارنة بسرعة الضغطة التي خرجت بها الأموال من محفظة صاحبها.

في أسواق كثيرة حول العالم، توجد فترة سماح قصيرة – دقائق معدودة- يستطيع المستخدم خلالها إلغاء التحويل قبل تنفيذه النهائي..لماذا لا نُطبّق هذه السياسة محليًا؟، ولماذا لا تُزَوَّد المحافظ بخاصية “تأكيد الهوية” قبل التحويل، خاصة عند التحويل للمرة أولى، مثل: إظهار اسم ثلاثي كامل، أو مطالبة المستخدم بكتابة كلمة “تأكيد” بنفسه، أو إرسال تنبيه مزدوج.

هذه الإجراءات ليست رفاهية؛ إنها حماية للمستخدمين وتقليل للعبء على الشركات نفسها قبل الجهات التشريعية.

هناك من يتسلّم الأموال بالخطأ فيعيدها فورًا، وهناك من يقرر التحول الفوري إلى دور “المستفيد الشرعي” وكأنه كسب جائزة مفاجئة، هنا يظهر جانب آخر: نحتاج حملات توعية واسعة بأن الاحتفاظ بالأموال عن طريق الخطأ ليس مجرد غلطة، بل جريمة قد تصل إلى عقوبات مشددة..ولعل الشركات الأربع تتحمل مسؤولية في نشر هذه الثقافة بين المستخدمين، كما تفعل عند تسويق خدماتها الجديدة.

لا أحد ينكر التطور الهائل في خدمات المحافظ الإلكترونية داخل مصر، ولا أحد يقلل من حجم الجهود التقنية والاستثمارية المبذولة..لكن حجم الاعتماد الشعبي على هذه الخدمات أصبح أكبر من أن يُترك دون حلول تنظيمية مُحكمة..ويبقى السؤال الذي يطرحه المواطنون يوميًا، ونوجهه نحن اليوم مباشرة لشركات المحمول الأربع: هل سنرى خلال الفترة المقبلة سياسات أكثر صرامة ووضوحًا لاستعادة الأموال المحوّلة بالخطأ؟.

error: Content is protected !!