أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: من لايخافون الله..!!

الاستماع للخبر

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية حديثة تقتصر على تطوير الأعمال أو تحسين الخدمات، بل صار لاعبًا رئيسيًا في تشكيل ملامح حياتنا اليومية، من الصناعة والطب والتعليم وحتى الفن والترفيه، غير أن هذا الوجه المشرق يقابله وجه آخر مظلم يثير القلق، خاصة حين يوظَّف في أغراض مشبوهة تمس القيم والآداب العامة.

أحد أخطر هذه الاستخدامات يتمثل في “التلاعب بالصور الفوتوغرافية” عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يمكن استبدال وجوه الأشخاص الحقيقيين، ولا سيما الفتيات، على صور عارية أو غير لائقة، ما يبدو للبعض لعبة أو “مزحة” رقمية، يتحول في الواقع إلى كارثة أخلاقية واجتماعية تهدد سمعة الضحايا وتعرضهم لحالة من الابتزاز النفسي والاجتماعي؛ بل وصل الأمر فى بعض الحالات للإنتحار للتخلص من هذا “الوصم الالكتروني”، في مجتمعات شرقية محافظة ترى في السمعة رأس مال لا يقدَّر بثمن.

إذا كان الغرب قد اعتاد الانفتاح في التعامل مع مثل هذه الانحرافات الرقمية، فإن الأمر في مجتمعاتنا مختلف تمامًا، فالصور المسيئة، حتى وإن كانت مزيفة، قادرة على هدم حياة فتاة أو عائلة بأكملها، فنحن أمام قنبلة أخلاقية موقوتة قد لا تقل خطورة عن الإرهاب التقليدي، لأن آثارها النفسية والاجتماعية لا تُمحى بسهولة.

وعلى الرغم من تزايد هذه الجرائم عالميًا، إلا أن القوانين في كثير من الدول لم تلحق بعد بالتطور التقني المتسارع، وأصبح غياب الرادع المشدد يسمح للمجرمين باستغلال هذه التقنيات دون خوف من عقاب، وفي ظل هذا الفراغ، تصبح سمعة المرأة وأمنها النفسي رهينة أهواء من يعبثون بالذكاء الاصطناعي.

المطلوب اليوم ليس مجرد إصدار بيانات تحذيرية أو حملات توعية، بل سن تشريعات واضحة بعقوبات مغلظة تصل إلى الحبس لسنوات طويلة والغرامات الضخمة، بحيث يدرك كل من يفكر في التلاعب بالصور أو استخدام الذكاء الاصطناعي للإضرار بالسمعة أن الأمر مكلف جدًا ولا مجال للهروب منه.

إلى جانب التشريعات، يأتي دور الإعلام في التوعية بمخاطر هذه الظاهرة وكشف أساليبها للرأي العام، بحيث لا يقع المجتمع ضحية الابتزاز، كما يجب أن تنخرط المؤسسات الدينية والمجتمعية في حملة شاملة لحماية المرأة وتعزيز ثقافة أن الصور المزيفة ليست دليلًا على الحقيقة.

يبقى السؤال الأهم: هل سيظل الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للتطوير والتسهيل، أم أنه سيتحول إلى سلاح بيد من لا يخافون الله ولا يحترمون قيم المجتمع؟ الجواب يعتمد على سرعة المجتمعات في التحرك ووضع الضوابط، قبل أن يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة فوضى أخلاقية تهدد الجميع.

في النهاية، إذا كان الذكاء الاصطناعي قد أدهشنا بقدرته على الإبداع، فإنه أيضًا ينذرنا بخطر عظيم إذا تُرك بلا رادع، والمسؤولية الآن على عاتق المشرعين، والإعلام، والمجتمع ككل، أن يتعاملوا مع هذا التحدي بما يليق بخطورته، حفاظًا على القيم والسمعة والإنسانية ذاتها.

error: Content is protected !!