تعدُّ ظاهرة التسول من الظواهر المُنبوذة في المجتمع رغم رواجها وانتشارها؛ حيثُ يتوزع هؤلاء المتسوّلون في الشوارع العامة، والأزقّة، وأمام المحال التجارية، وفي الأماكن التي يزدحم فيها الناس عموماً،
ورغم كلّ الجهود والمُحاولات المبذولة، في سبيل إيقاف تلك الظاهرة؛ إلا أن بعض المجتمعات ما زالت غير قادرة على اقتلاعها، أو تغيير فهم القائمين عليها بمدى سلبية وخطورة ما يقومون به.
فإن هناك ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في بلاد المسلمين، ولذلك وجب التنبه على هذه الظاهرة، وبيان حكمها، ألا وهي ظاهرة التسول، والذي يقصد به سؤال الناس بعض المال، ونقول ظاهرة منتشرة على نطاق واسع لأنا فعلاً كذلك؛ فلا يخلو مكان من وجودها، فإذا ما ذهب الإنسان إلى المرافق الحكومية وجد المتسولين على أبوابها، وإذا ما كان يمشي بالشوارع رآهم على أرصفتها،
وإذا ما ذهب إلى السواق رآهم يتجولون على باعتها ومحلاتها، وإذا ما ذهب إلى المستشفيات رآهم قابعون عند مداخلها، وإذا ما ذهب إلى بيوت الله، فليحدث ولا حرج؛ ففي الغالب أنك لا تجد مسجداً في بلد من بلاد المسلمين وعلى مر الصلوات الخمس إلا وترى متسولاً على الأقل قد وقف على بابه أو بين يدي المصلين، وأما في بعض المساجد المزدحمة فقد ترى أكثر من واحد كلهم يسأل الناس بصوت عال، دون مراعاة لآداب المساجد، وآداب الكلام، بل ربما رأيت النساء عقب الصلوات يدخلن إلى المسجد ثم يسألن الناس، حتى أصبح التسول عند كثير من هؤلاء وظيفة يتعيّش بها، وذلك لأنه وجد أنه ببذل ماء وجهه، وقلة حيائه، وسؤاله الناس، يجمع دراهم كثيرة، ربما لا يقدر على جمعها بعمل آخر على ظنه،
وترتب على هذا أن أصبح الناس لا يميزون بين من هو مستحق محتاج للمال فيساعدونه، وبين من هو كاذب محتال فيعرضوا عنه، هذا عن كثرة المتسولين، وأما عن أساليبهم فقد تعددت وتنوعت، فلربما ربط أحدهم قربة أو قارورة ماء بخيط في حقويه ومن تحت ثيابه، ووضع بها محلولاً أحمر.
ونص القانون 49 لسنة 1933، من قانون العقوبات على عدد من المواد لمكافحة ظاهرة التسول: حدد في المادة “1” من أنه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرًا كان أم أنثى يبلغ عمره خمسة عشرة سنة أو أكثر وجد متسولاً في الطريق العام أو المحال العمومية، ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شيء .
مادة (2): يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا كل شخص غير صحيح البنية وجد في الظروف المبينة في المادة السابقة متسولاً في مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنًا.
مادة (3): يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كل متسول في الظروف المبينة في المادة الأولى يتضح الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور .
مادة (4): يعاقب بالعقوبة المبينة في المادة السابقة كل شخص يدخل بدون إذن في منزل أو محل ملحق به بغرض التسول .
مادة (5): يعاقب بنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها.
مادة (6): يعاقب بنفس العقوبة: كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول.
كل من استخدم صغيرا في هذه السن أو سلمه لآخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور
مادة (7): في حالة العود تكون عقوبة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الحبس مدة لا تجاوز سنة .
ان هناك اكثر من 202 الف قضية تسول تنظرها المحاكم بالقاهرة وبعض من محافظات الجمهورية ويتم اصدار احكام فيها بعقوبة الحبس التي تتراوح ما بين شهر الي عام وغرامة من 100 الي 600 جنيه ..ان معظم هذه القضايا يتم الفصل فيها بسرعة ومعظمها يكتفي بعقوبة الغرامة ..وانه لم يتم اتخاذ اجراءات الحبس ضد اي متسول بسبب عدم قيامه بسداد الغرامة لان معظمهم يقوم بسدادها داخل المحكمة وبعد صدور الحكم مباشرة.
الاوضاع داخل محاكم الجنح والاحداث والتي تختص بنظر قضايا التسول تثير الدهشة والاستغراب..المتسول الذي نشاهده عاجزا عن الحركة او مريضا او مهلهل الملابس وسيئ المظهر..في الطرقات والشوارع..يختلف عن المتسول المتهم الذي نشاهده في المحاكم، معظمهم يعرف القانون جيدا والعقوبة المنتظرة ويحمل بجانب كل هذا قيمة الغرامة التي يقدرها كما ذكر لنا البعض ب500 جنيه في اغلب الاوقات.
لذلك تعتبر هذه العقوبة غير كافية او رادعة في مواجهة هذه الظاهرة المستفحلة في المجتمع المصري ويجب ان يعد قانونا جديدا لمواجهتها من بعد ان اصبحت تستخدم فيها بعض الجرائم الأخرى مثل الطرق الاحتيالية واستغلال الاطفال في اعمال تتنافي مع ادميتهم .
إن السوابق لا تنشئ الاتجاه الخطر الذى هو مبنى الاشتباه والذى يريد الشارع الاحتياط منه لمصلحة الجماعة بل هي تكشف عن وجوده وتدل عليه فهي والشهرة بمنزلة سواء.
إذن يكفى الاعتماد على الأحكام المتكررة الصادرة على المتهم قبل العمل بالمرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الخاص بالمتشردين و الأشخاص المشتبه فيهم لأخذه بهذا القانون متى كانت هذه الأحكام قريبة البون نسبياً أو كانت من جهة الجسامة أو الخطورة أو التعاقب أو التعاصر أو التماثل إلخ تكفى لإقناع القاضي بأن صاحبها ما زال خطراً يجب التحرز منه ، و لا يعد ذلك بسطاً لآثار هذا القانون على وقائع سبقت صدوره .
أن الفقر يمثل سببا للتسول بنسبة 34.96 % من عينة المتسولين التي أجرت عليها البحث، في حين شكل عدم وجود عائل يلتزم بالإنفاق علي المتسول حوالي 76.56 % من أسباب جميع حالات عينة البحث، وبوجه عام مثلت الدوافع الاقتصادية في الدراسة نسبة 48.57 %، ومثلت العوامل الاجتماعية كالتفكك الأسري نسبة 30 % من العينة .
وكشفت علم الدين وجود أنماط عديدة للتسول، أهمها التسول الصريح بصورته التقليدية المتمثلة في طلب الإحسان مباشرة، والتسول المقنع والمتمثل في عرض أو بيع سلع تافهة كالمناديل وأوراق الأذكار، أو تقديم خدمات رمزية كتنظيف السيارات، والتسول المحترف الذي يعتبر مقدمات احتراف الجريمة، ونسبة محترفي التسول في العينة بلغت 82.86 % من إجمالي متسولي العينة.
هؤلاء المتسولين المحترفين يصطنعون عاهات ويستعينون في ذلك بوسائل في مجال المستحضرات الطبية والتجميلية لاستدرار عطف الجمهور، ويستخدمون ملابس ممزقة للمناطق الشعبية وملابس أنيقة للمناطق الراقية، ويتواجدون بشكل أكبرفي المدن والأماكن السياحية والدينية ووسائل النقل ومراكز التسوق، وبرغم أنه لا يوجد اتحاد رسمي للمتسولين إلا أنهم منظمون، لهم زعيم مسئول يوزع عليهم اختصاصاتهم وأدوارهم واماكن عملهم، كما يقوم بمراقبة كل منهم، وخاصة المتسولين الجدد، ويتحمل هذا الزعيم في بعض الحالات مسئولية أسرة المتسول إذا ما دخل المتسول السجن، كما يسعي لحماية المتسولين تحته عندما يتعرضون لمشاكل مع الشرطة أو مع متسولين آخرين يخضعون لزعيم آخر، وبوجه عام فإن جماعات التسول لها تقاليدها وأساليبها وتصوراتها وقواعد تنظيم عملها
فيما يشرح أحمد وهدان خبير أول بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والذي ينص علي أنه :” يعاقب كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أم أنثي بالحبس مدة لا تجاوز شهرين شريطة أن يبلغ من العمر خمسة عشر عاما أو أكثر، فيما يتم إنذار والد الطفل في المرة الأولي لتسول طفله عن طريق نيابة الأحداث وفي حال جاء الطفل بجريمة تسول جديدة فإن ولي الأمر الذي سبق انذاره يتعرض لتوقيع العقوبة التي جاء بها نص المادة 113 من قانون الطفل وهي الغرامة التي لا تتجاوز مائة جنيه”.
أن المشرع حال دون تطبيق أي تدبير آخر خلاف تدبيري التسليم والإيداع في أحد المستشفيات المتخصصة متي كان الصغير دون سن السابعة، أما في حال ما صار الإنذار نهائيا إما لعدم الاعتراض خلال 10 أيام أو لعدم حضور المعترض أو لحضوره وعدم قبول محكمة الأحداث لما أبداه الدفاع، اعتبر الانذار نهائيا وهو ما يترتب عليه في حال القبض علي الطفل في قضية تسول مجددا في إحدى الحالات التي أدرجها المشرع في نص المادة 96 من قانون الطفل يطبق قانون التسول رقم 49 لسنة 1993 وتقدم الأوراق لمحكمة الأحداث بوصف الطفل يتعرض للانحراف، وتضمن التدابير المقررة قانونيا لمواجهة تسول الأطفال التأديب والتوبيخ والتسليم والإيداع في إحدى المؤسسات أو الإلحاق بالتدريب المهني.
أما عقوبة الكبار علي التسول في التشريع المصري، تعاقب صحيح البنية بالحبس شهرين أما غير صحيح البنية يعاقب بالحبس شهر واحد، فيما يعاقب القانون استخدام طفل في التسول بقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وفقا للمادة 116 منه ، علي عقوبة الجاني بالحبس لمدة 5 سنوات، فيما يعاقب بمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر من تصنع الإصابة بجروح أو عاهات لاستدرار عطف الجمهور.
[divider]
نبذة عن الكاتب: الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا
ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات
ونائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمجلس المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية