أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

د. وائل بدوي يكتب: خطأ صغير = كارثة كبيرة..!!

الاستماع للخبر

في واقعة تفتح الباب على مصراعيه لأسئلة خطيرة حول الأمن الرقمي وإدارة المعلومات الحساسة في أعلى مستويات السلطة الأمريكية، تم الكشف عن أكبر فضيحة تسريب غير متعمد في العصر الحديث.

فقد فوجئ جيفري جولدبرج، رئيس تحرير مجلة The Atlantic، بانضمامه إلى مجموعة محادثة سرية على تطبيق Signal تضم نائب الرئيس الأمريكي، وزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي، حيث كانت المجموعة تناقش تفاصيل ضربات جوية ضد الحوثيين في اليمن قبل تنفيذها بساعات قليلة.

تضمنت المحادثة التي حضرها جولدبرج، بالخطأ، معلومات شديدة الحساسية عن توقيت الضربات، الأهداف المحددة، وأنواع الذخيرة المستخدمة، إلى جانب نقاشات سياسية داخلية تتعلق بتأثير الضربات على العلاقات الدولية وأسعار النفط.

هذا الحدث، رغم غرابته، يطرح تساؤلًا عميقًا: لماذا اختار البيت الأبيض تطبيق Signal للتواصل في مثل هذه القضايا الحساسة؟ وهل هو فعلاً آمن لهذا المستوى من السرية؟

ما هو تطبيق Signal؟ ولماذا يُستخدم؟

Signal هو تطبيق مراسلة مشفر مفتوح المصدر، يركز بالكامل على الخصوصية، تم تطويره من قبل مؤسسة Signal Foundation، وهي منظمة غير ربحية أسسها موكسي مارلينسبايك وبريان أكتون “أحد مؤسسي واتساب”.

بدأ التطبيق في جذب الانتباه منذ منتصف العقد الماضي، لكنه حصل على دفعة كبيرة بعد أن أوصى به إدوارد سنودن وإيلون ماسك وجاك دورسي، باعتباره أكثر تطبيقات المراسلة أمانًا.

لماذا يُفضّله السياسيون والناشطون؟

 ١-التشفير التام بين الطرفين (End-to-End Encryption): لا يمكن حتى لمطوري التطبيق أنفسهم الوصول إلى الرسائل.

 ٢-لا يحتفظ بسجلات بيانات المستخدمين.

 ٣-يدعم الرسائل النصية والمكالمات الصوتية والمرئية والرسائل المؤقتة.

 ٤-يُستخدم من قبل صحفيين، ناشطين، ومسؤولين حكوميين حول العالم.

لكن، وكما أظهرت هذه الفضيحة، حتى أكثر التطبيقات أمانًا لا يمكنه حمايتك من الخطأ البشري.

الدرس الأخطر: التكنولوجيا لا تعوض غياب البروتوكول

رغم اختيار تطبيق آمن، إلا أن خطأ بسيط في إضافة رقم غير دقيق إلى محادثة جماعية كلف الحكومة الأمريكية تسريبًا غير مسبوقًا لمعلومات عسكرية حية، وهذا يسلط الضوء على أن أمن المعلومات لا يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل على كفاءة من يستخدمها.

لا يمكننا سوى تخيّل السيناريوهات الأسوأ لو كان جولدبرج شخصًا أقل نزاهة أو جهة معادية.

هل تفقد المؤسسات ثقتها في Signal؟

على العكس، الحادثة لا تدين التطبيق، بل تؤكد أنه يؤدي وظيفته في الحماية والتشفير لكن ما حدث يكشف أن هناك حاجة لتدريب دقيق لموظفي الدولة على استخدام التكنولوجيا الآمنة، ضمن بروتوكولات صارمة تمنع الأخطاء البشرية.

في الختام: تطبيق Signal سيبقى أداة قوية للتواصل الآمن، لكن فضيحة إضافة صحفي لمجموعة البيت الأبيض السرية تذكّرنا أن الضعف الأكبر في منظومة الأمن الرقمي… هو الإنسان نفسه.

نعيش في زمن لا تُطلق فيه الرصاصات فقط من بنادق، بل من هواتف، وقد تسقط أنظمة بغلطة “إضافة جهة اتصال”.

في السياسة… كما في البرمجة: خطأ صغير = كارثة كبيرة.