قال الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمين العام للاتحاد الدولى للاتصالات دورين بوجدان مارتِن…
أصحاب المعالى الوزراء…صحاب السعادة رؤساء الوفود.أقطاب المجتمع الدولى للاتصالات… السيدات والسادة ضيوف مصر الكرام.
يطيب لى فى مستهل حديثى أن أرحب بكم جميعاً فى مصر، على أرض شرم الشيخ فى المنتدى العالمى لمنظمى الاتصالات الذى يقام تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية.
وإذ نلتقى للمرة الثانية خلال الخمس سنوات الماضية..حيث التقينا فى عام 2019 هنا فى مدينة السلام، لنشهد فعاليات المؤتمر العالمى للاتصالات الراديــــــــوية WRC 2019.
ولعل بعض القضايا التى شغلت صناعتنا حين ذاك تراوحت ما بين تنظيم خدمات الجيل الخامس، ووضع ضوابط استخدامات الطيف الترددى لتشغيل الطائرات بدون طيار، وبحث سبل التسريع من استخدام مدارات الأقمار الصناعية المستقرة وغير المستقرة بالنسبة إلى الأرض للتوسع فى إتاحة خدمات الإنترنت لشعوبنا.
ولكن خلال الخمس سنوات اللاحقة لمؤتمرنا، تعاقبت على الإنسانية شدائد صحية، وأزمات جيوسياسية، وتغيرات مناخية، واضطرابات اقتصادية، شكلت تحدياً حقيقياً لنُظُم عملنا على نحو يدفعنا إلى إعادة تقييم سياساتنا ومستهدفاتنا، وترك هذا السلسال المتعاقب الحكومات والشركات والمجتمعين المدنى والدولى معاً يتسألون: كيف لنا أن نمضى نحو أهداف التنمية المستدامة فى ظل ما نشهده من أزماتٍ مركبة؟ وكيف سنحقق القيمة المحورية لأهداف التنمية المستدامة التى تعهدنا بالوفاء بها كمجتمعٍ دولى فى عام 2015 “بألا ندع أحداً يتخلف عن الركب… Leave no one behind” ؟ ولعل البعض يتسأل عن علاقة قطاع الاتصالات بهذا، بيد أننى مقتنع أن هذه الأسئلة ليست ببعيدة عن قضايا صناعتنا، بل اتصور أن الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أصبحا فى مقدمة القطاعات المنتظر منها دفع حركة التنمية المستدامة دون توانٍ… من هنا يأتى ثقل هذا المحفل الهام الذى نسعد باستضافته فى مصر هذا العام تحت شعار “التنظيم من أجل مستقبل رقمى مستدام”، ليكون منصةً لتبادل الخبرات والتجارب بين صانعى القرار ومنظمى الاتصالات والمتخصصين الأكاديميين ورواد الصناعة فى الدول النامية والصناعية على حدٍ سواء.
أسمحوا لى أن استعرض بعض تجارب مصر نحو بناء مجتمع رقمى مستدام، قائم على أسس الشمول الاجتماعى وتكافؤ الفرص… مجتمع “مصر الرقمية” الذى يتمحور حول الإنسان.
الإنسان. .. كمواطن، له الحق فى التمتع بخدمات حكومية مبسطة ومحوكمة؛ وكمستخدم، له الحق فى النفاذ لبنية تحتية معلوماتية كفء لتلقى كافة أنواع المعارف وأطياف العلم؛ وكساعٍ لفرصة عمل، له الحق فى تغيير مساره العملى أو تعلم ما يمكّنه من اتخاذ التكنولوجيا داعماً لعمله؛ وأخيراً وليس آخراً الإنسان كمبدع، قادر على إنتاج فكرة له الحق أن يكتسب قدرة تحويل فكرته لتطبيق تكنولوجى يحقق قيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد القومى لمصر.
تقوم استراتيجية مصر الرقمية على ثلاثة ركائز أساسية: دفع عجلة التحول الرقمى فى كافة قطاعات الدولة، وصقل المهارات الرقمية بما يعزز من قدرة شبابنا على الالتحاق بوظائف فى ظل اقتصاد المعرفة، ورعاية الإبداع الرقمى… وتلك الركائز بدورها تستند على ممكنين رئيسيين: الاستثمار فى تحسين كفاءة البنية التحتية المعلوماتية وانتشارها فى مصر، وبناء سياج تشريعى مُنظم للقطاع وجاذب للاستثمارات.
وإيماناً منا بضرورة النفاذ لخدمات الإنترنت للجميع والتزاماً بسد الفجوة الرقمية، تسهم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات باستثمارات هائلة لتطوير البنية التحتية التكنولوجية فى كافة القرى المصرية من خلال المشروع القومى الطموح “حياة كريمة” لتكون حياة كريمة رقمية.
ففى عصر اقتصاديات المعرفة بات النفاذ للإنترنت حقاً أصيلاً لكل مواطن وأصبح الاتصال بالعالم سمة العصر، وهو ما يتطلب تدخل الحكومات لضمان وصول الخدمة لبناء اقتصاد رقمى دامج الذى يعد الأساس الذى تُبنى عليه مصر الرقمية، بعيداً عن الدراسات التجارية للمشاريع التى قد تحول دون تمتع كافة فئات المجتمع بخدمات الصوت والإنترنت.
هذا الاعتبار هو ما دفعنا لتمويل مشروعات مد كابلات الألياف الضوئية والتشارك مع مشغلى المحمول فى كلفة بناء محطات المحمول فى أكثر من 4 آلاف قرية بواقع 9 مليون وحدة سكنية خلال الثلاث سنوات القادمة.
كما ندرك أن النفاذ للخدمة وحده لا يقضى على الفجوة الرقمية التى تحتم التوسع فى مبادرات محو الأمية الرقمية وبناء الثقافة الرقمية والتمكين الاقتصادى الرقمى… لذلك تتكامل استثماراتنا فى البنية التحتية فى قرى حياة كريمة مع استثماراتنا فى بناء قدرات أهلنا القاطنين فيها من خلال برامج تمكنت من محو الأمية الرقمية لدى 70 ألف مواطن فى الريف المصرى ضمن المرحلة الأولى من مشروع حياة كريمة بعشرين محافظة… يشمل الإجمالى 38 ألف سيدة أى بنسبة 56% .
هذه الإحصائية ليست مصادفة، بل تعكس التزاماً راسخاً بتمكين المرأة رقمياً بما ينعكس أيضاً على تمكينها اقتصادياً واجتماعياً حيث حرصنا على مشاركة المرأة فى إحداث أثر فى محيط مجتمعها فسعدنا بمشاركة حوالى 90 رائدة معرفة ومكلفة وواعظة بالإضافة إلى 425 ميسرة من المجلس القومى للمرأة لتنفيذ مبادرة “حياة كريمة رقمية” بعد أن حصلوا على تدريب يؤهلهم لذلك.
وإضافة لمشروعات التحول الرقمى القطاعية لتبسيط الإجراءات وزيادة كفاءة منظومات العمل الحكومية وآليات تقديم خدمات المواطنين، نقيم مشروعات تبرز دور التكنولوجيا المحورى فى تصحيح التفاوتات فى النفاذ للخدمات الصحية والتعليمية… فأقمنا 300 وحدة صحية بها أجهزة التشخيص عن بعد بالتعاون مع وزارة الصحة لتوسيع نطاق الرعاية الصحية للقرى والمناطق النائية التى تعانى من ندرة فى أعداد الأطباء المتخصصين.
السيدات والسادة، اليوم تعبر الإنسانية حقبة تشهد تطورات تكنولوجية مطردة غيرت من أنماط العمل ومن طبيعة المهارات التى تتطلبها الأسواق فالحاضر رقمى ودورنا أن نعد الأجيال القادمة لمستقبل رقمى متغير قائم على التعلم السريع، وهو أمر تعيه الحكومة المصرية وتضعه ضمن أولويات سياساتها.
يظهر ذلك جلياً فى تضاعف استثمارات بناء القدرات الرقمية فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أكثر من 25 ضعفاً خلال الخمس سنوات الماضية، وزيادة أعداد المتدربين أكثر من 55 ضعفاً ليصل إلى قرابة 250 ألف متدرب خلال العام المالى الحالى ومستهدف مضاعفته بإطلاق برامج جديدة تستهدف النشء من طلاب المدارس فى جميع أنحاء الجمهورية.
كما نقيم مراكز للإبداع الرقمى فى كل محافظات الجمهورية توفر خدمات احتضان الشركات الناشئة بالشراكة مع حاضنات أعمال من القطاع الخاص، وتوفر مساحات للعمل بخدمات إنترنت فائق السرعة لأبنائنا من المهنيين المستقلين.
أطلقنا ثمانية مراكز فى ثمان محافظات خلال عام 2022 وخلال عام 2023 سنطلق ثلاثة عشر مركزاً جديداً ومستمرون فى تنفيذ خطتنا ليبلغ عدد مراكز إبداع مصر الرقمية ثلاثين مركزاً تغطى كل أنحاء البلاد.
كما أطلقنا معمل الابتكار الحكومى لدعوة الشركات الناشئة لتطوير تطبيقات حكومية تسرّع من تبنى الحكومة لحلول مبتكرة لخدمة الجمهور. كذلك نحرص على التمكين الرقمى والدمج المجتمعى لأبناء مصر من ذوى القدرات الخاصة فأقمنا الأكاديمية الوطنية للأشخاص ذوى الإعاقة فى عام 2018 لتكون مركزاً للتدريب وحاضنة للشركات الناشئة العاملة فى مجال التكنولوجيات المساعدة.
الحفل الكريم، هذه مجرد نماذج لجهودنا نحو بناء مستقبل رقمى مستدام لأبناء مصر يكرس هدف بناء مصر الرقمية ويبلوره، ولعل المؤشرات تعكس المردود الملموس لها، حيث تقدمت مصر فى مؤشر جاهزية الحكومة للتحول الرقمى الصادر عن البنك الدولى من التصنيف (ج) فى عام 2018 إلى (ب) فى 2020، صعوداً إلى التصنيف (أ) فى عام 2022.
كذلك أثمرت جهود بناء القدرات الرقمية ونشر ثقافة العمل عن بعد والعمل الحر عن تطور عدد المهنيين المستقلين كنسبةٍ من السكان مما أدى إلى صعود مركز مصر من السادس عالمياً إلى الرابع ما بين عامى 2019 و 2022.
وفى عام 2021 أصدرت مؤسسة رولاند برجر مؤشر الشمول الرقمى والذى صنف مصر كثالث أسرع دولة نمواً فى تحقيق الشمول الرقمى.
أما على صعيد البنية التحتية الرقمية فأدت الاستثمارات فى شبكة الألياف الضوئية وتحسين تجربة المستخدمين إلى احتفاظ مصر بالمركز الأول لأسرع إنترنت فى أفريقيا منذ عام 2021 صعوداً من المركز الأربعين فى عام 2018.
ختاماً، أؤكد على إيمان مصر الراسخ بضرورة بناء مستقبل رقمى مستدام يتكيف مع التطورات التكنولوجية المتسارعة ويستفيد من مستحدثاتها، يعلى حقوق المواطنين فى لعب دور فاعل فى الاقتصاد الرقمى، ويضمن حقوق المستخدمين ويحمى بياناتهم وكيانهم من الجرائم الإلكترونية… مجتمعٌ تساوى التكنولوجيا بين أفراده بما تتيحه من خدمة كافة شرائح المجتمع من كبارٍ ونشء، سيداتٍ ورجال، باختلاف قدراتهم البدنية والذهنية.
سنظل نعمل بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى وبالتشاور مع شركائنا فى المنظمات الدولية كالاتحاد الدولى للاتصالات وباقى المنظمات الدولية التى تعد شريكاً هاماً لمصر لكى نحقق حلم بناء مصر الرقمية.
أخيراً، أتمنى لكم مؤتمراً ثرياً بالمداولات البناءة والنقاشات المثمرة.