اجتذبت الأضواء مؤخرًا، عدد من الدول الأفريقية، والتي اعتُبِرت نمورًا اقتصادية، حيث حققت معدلات نمو مرتفعة جدًّا، والغريب أن الصعود تحقق بلا موارد طبيعية تقريبًا.
إثيوبيا، التي عانت ردحًا طويلًا من الزمن من الفقر والمرض، والاضطرابات.. بدأت، في الآونة الأخيرة، تجذب انتباه الاقتصاديين المهتمين بأفريقيا، وذلك لأنها تعتبر الدولة الأفريقية الوحيدة -باستثناء رواندا- التي يشهد نموها الاقتصادي ارتفاعًا ملحوظًا مستمرًا على مدى أكثر من عقد من الزمان، دون الاعتماد على طفرة في الموارد الطبيعية.
ويأتي الاقتصاد الإثيوبي في مصاف الاقتصادات الأسرع نموًا بالعالم، ويُعد من ناحية أخرى الأسرع نموًا على مستوى القارة الأفريقية، حسب صندوق النقد الدولي.
بلغ الناتج القومي غير الصافي في إثيوبيا 79.9 مليار دولار، حسب معطيات صندوق النقد الدولي لعام 2017، بمعدل 850 دولارًا للفرد. وبحسب صحيفة “كوارتز” الاقتصادية العالمية، بلغت نسبة نصيب الفرد من النمو في إثيوبيا 8٪ سنويًا ما بين عامي 2004 و2014. وهذا يعتبر أعلى مستوى للنمو في القارة الأفريقية خلال هذه الفترة، ومثار إعجاب بكل المقاييس.
ويرجع هذا النمو، بالأساس، إلى الطفرة العمرانية وزيادة الإنتاجية الزراعية، والدور الحيوي الذي يلعبه قطاع التصنيع، الذي نما بنسبة 11٪ سنويًا؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة الصادرات التصنيعية بأكثر من 11 ضعفًا، وكان هذا إلى حد كبير بفضل عائدات الصادرات المتزايدة من صناعة الأحذية والملابس.
ويمثل النمو أكثر من ضعف حصة الصادرات المصنعة في إجمالي صادرات السلع التي تضاعفت هي نفسها بأكثر من 5 أضعاف خلال هذه الفترة. ومع ذلك لا يزال التصنيع يمثل نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه النسبة أقل بكثير من نسبة الـ 10٪ في أفريقيا.
وتعتبر إثيوبيا أيضًا أقل من المتوسط الأفريقي في التنويع والقدرة التنافسية للصادرات والإنتاجية وتطور المستوى التكنولوجي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن تلحق إثيوبيا بركب دول، مثل: الصين وفيتنام، في بعض الصناعات منخفضة التكنولوجيا في المستقبل القريب. وهذه الصناعات تعتبر تكاليف العمالة أمرًا مهمًّا جدًّا بالنسبة لها، وفي الوقت الحالي من الصعب أن تجد بلدًا في العالم لديه عمالة أرخص من إثيوبيا.
وبعيدًا عن هذه الصناعات الواضحة، هناك أسباب تدفع للاعتقاد بأن إثيوبيا قد تكون على الطريق الصحيح للحاق بركب أكثر الاقتصادات المتقدمة؛ أولها هو التوجه التنموي، الذي يشبه في نواحٍ كثيرة التجارب الناجحة في شرق آسيا، مثل كوريا وتايوان، وإن كان ذلك في ظل هيكل من “المصالح الخاصة الاستبدادية”، وتخطيط اقتصادي مركزي.
وقد أعرب الراحل “ميليس زيناوي”، رئيس وزراء إثيوبيا السابق، والذي حكم البلاد بين عامي 1995 و2012، مرارًا عن إعجابه بتجربة شرق آسيا، وشدد على أن نجاحها كان مبنيًّا على أساس مزيج من قوى السوق وتدخل الدولة. ولم تقدم الدولة البنية التحتية والخدمات الأساسية فقط، ولكنها وفرت أيضًا بيئة مواتية للقطاع الخاص.
ومن أهم الأسباب؛ قدرة السياسات الصناعية الرائعة التي تراكمت لديها منذ أن جاءت حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي إلى السلطة في 1991.. حيث أصبحت جودة هذه القدرة واضحةً، من خلال قراءة خطة النمو والتحول التي تغطي الفترة من 2010 إلى 2015.
وقد أعطت الخطة أولوية للصناعات التحويلية، مثل الملابس والمنسوجات وتجهيز المنتجات الزراعية وتجهيز اللحوم وصناعة الجلود والمنتجات الجلدية، والتشييد والبناء.
ويوفر اثنان من البنوك المملوكة للدولة، وهما البنك التجاري الإثيوبي وبنك التنمية الأثيوبي، معظم التمويل لهذه الشركات. ولا يُسمح للبنوك الأجنبية بالعمل في إثيوبيا. وبينما تقوم الحكومة الإثيوبية بصياغة سياسات لدعم قطاعات صناعية محددة، فقد أعطت الميزانية الاتحادية على مدى العشرين سنة الماضية، أولوية خاصة لسياسات أكثر “أفقية”، مثل: التعليم والبنية التحتية.
وفيما يتعلق بقطاع التعليم في إثيوبيا؛ زاد معدل نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية، من أقل من 20٪ في أوائل فترة التسعينات إلى نحو 94٪ في العام 2012. وارتفع عدد الجامعات من واحدة فقط في العام 1990 إلى أكثر من 30 جامعة حاليًا.
واستثمرت الحكومة الإثيوبية بكثافة في تطوير البنية التحتية مع التركيز على قطاع النقل وتوليد الطاقة، ومن المتوقع أن تزيد قدرة البلاد على توليد الطاقة إلى أربعة أضعاف عند الانتهاء من بناء سد النهضة، حيث سيكون هذا السد، الذي يعتبر أحد أكبر محطات توليد الطاقة الكهرومائية في العالم، قادرًا على توليد 6 آلاف ميجاوات.
وشهد إنتاج الأسمنت نموًا هائلًا منذ 1999، مستفيدًا في ذلك من طفرة البناء والتشييد، وبلغ متوسط النمو السنوي في إنتاج الأسمنت أكثر من ضعف المتوسط العالمي. ونتيجة لذلك تعد إثيوبيا الآن ثالث أكبر منتج له في أفريقيا. ومثلما حدث مع صناعة الأسمنت، فقد قدم قطاع زراعة الزهور الإثيوبية، مساهمات هامة في التنمية الاقتصادية. وارتفعت صادرات الزهور من 3 أطنان بين عامي 2003/ 2004 إلى أكثر من 50 ألف طن بين عامي 2011/ 2012.
وتضاعفت فرص العمل في هذا القطاع – خلال الفترة من 2007 إلى 2012- من 25000 إلى 50.484 فرصة عمل. ونما هذا القطاع من شركة واحدة فقط في 2000 إلى نحو 100 شركة عام 2014.
وقد أسهم الاستثمار الأجنبي في التنمية التكنولوجية وتحسين الوصول إلى الأسواق؛ فقد صارت إثيوبيا موقعًا استثماريًا جذابًا بسبب الثروات الطبيعية مثل الأراضي والارتفاع والعمالة الرخيصة والحوافز التي تقدمها الحكومة، وتشمل: الإعفاءات الضريبية على الأرباح، لمدة تصل إلى 5 سنوات، وامتيازات الإعفاء من الرسوم على جميع السلع الرأسمالية وتوفير مواد البناء.
ويبلغ عدد سكان البلاد نحو 100 مليون نسمة، ويتم تصنيف إثيوبيا على أنها الدولة الوحيدة في القارة السمراء، مع ليبيريا، التي لم تتعرض للاستعمار الغربي في تاريخها.
وينبع من أراضيها أحد الفروع الرئيسية لنهر النيل وهو النيل الأزرق. ومع ذلك فهي دولة حبيسة، حيث لا تمتلك أية سواحل بحرية.
تتضمن التركيبة السكانية في إثيوبيا، مجموعات عرقية متنوعة، مثل الأورومو والأمهرة 27 بالمائة، والصومالية، والتيجراي، والسيدامى، والجوراج.
وتبلغ مساحة إثيوبيا نحو 1.1 مليون كم مربع، وتحتوي على أكثر من 80 لغة، حيث تعتبر اللغة الأمهرية اللغة الرسمية، في حين يتم استخدام لغات محلية مثل الأورومو، والأفارجية، والصومالية، والتيغرينية في الولايات الفيدرالية. وتُلقب العاصمة “أديس أبابا” بعاصمة أفريقيا، لاحتضانها مقر الاتحاد الأفريقي.
ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/06/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="818" height="169" />
نشر فى فيتو الجمعة 5 أبريل 2019