جمهورية موريشيوس..رغم الفقر الواضح في الموارد الطبيعية إلا أنها حققت طفرة اقتصادية جيدة، تعتبر نموذجًا تحتذيه باقي الدول الأفريقية ذات الظروف المشابهة.
تتكون “موريشيوس” من “أرخبيل” يضم عددًا من الجزر، أهمها وأكبرها جزيرة “موريشيوس”، وتقع العاصمة “بورت لويس” في المحيط الهندي.
ويعد العرب أول من عَرِفوا جزيرة “موريشيوس”، وظهرت في خرائطهم باسم “دينا عروبي”، بينما عرفها الغرب عن طريق الرحالة البرتغالي “دون بيدرو ماسكارينهاس” عام 1505، لكنَّ البرتغاليين، كالعرب، لم يستقروا بالجزيرة، وفي عام 1638 أنشأت هولندا أول مستعمرة فيها، وأطلقوا عليها اسمها الحالي نسبةً للأمير الهولندي “موريس”، ولم تدم إقامة الهولنديين طويلًا فغادروها عام 1710..
ثم وصل الفرنسيون للجزيرة عام 1715، واستعمروها وأطلقوا عليها اسم “جزيرة فرنسا”، وجلبوا فيها العبيد لزراعة المحاصيل الاستوائية، ومع هزيمة “نابليون” تنازلت فرنسا عن الجزيرة لبريطانيا، وفقًا لمعاهدة باريس 1814، التي نصَّت على احتفاظ سكان “موريشيوس” بثقافاتهم ولغاتهم وأديانهم وقوانينهم، ومع إلغاء الإنجليز للرق استجلبوا كثيرًا من الهنود بعقود عمل لاستزراع الجزيرة، مما أثَّر على تركيبتها السكانية.
يُقدَّر عدد سكان “موريشيوس” بنحو 1.265.000 مليون نسمة، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، وينحدر السكان من جماعات إثنية متعددة، فيمثل الهندو-موريشيوس نحو 68% من السكان، أما الكريول فيمثلون نحو 27% من السكان، ويمثل الصينو- موريشيوس نحو 3% من السكان، وأخيرًا يمثل الفرانكو- موريشيوس نحو 2% من السكان ومعظمهم من أصول فرنسية.
هذه الدولة الحديثة نسبيًّا قدمت نموذجًا ديمقراطيًّا رائعًا؛ من حيث حرية الأديان، وتداول السلطة بين الأحزاب المختلفة بسلاسة، ولم تؤثر تركيبتها الإثنية واللغوية والدينية المعقَّدة على المسار الذي انتهجته منذ استقلالها في 12 مارس 1968.
والحق أن توقعات التنمية هناك كانت ضعيفة، لكنها قدَّمت نموذجًا اقتصاديًّا واعدًا؛ حيث حقَّقت معدلات نمو تخطت 5% منذ 1970 حتى 2009، وفي نفس الوقت تضاعف متوسط دخل الفرد لأكثر من عشرة أضعاف في نفس الفترة، وسجَّلت تقدمًا واضحًا في مؤشرات التنمية البشرية، مما جعل الاقتصاديين يطلقون عليها “النمر الأفريقي“.
تبنَّت “موريشيوس” سياسات اقتصادية ليبرالية رأسمالية تعتمد على اقتصاد السوق الحرّ، ويلعب فيها القطاع الخاص الدور الرئيسي، وكان يُطلق على اقتصادها “اقتصاد السكر”؛ فقد كانت زراعة قصب السكر وتصنيعه هي النشاط الاقتصادي الرئيسي.
استقلت “موريشيوس” في 12 مارس 1968، في إطار مجموعة الكومنولث البريطاني، وتبنت نظام حكم برلمانيًّا، وتحولت إلى جمهورية برلمانية في 1992.
ورئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية هناك، ويختاره حزب الأغلبية، وهو المسئول عن الأداء الحكومي أمام الجمعية الوطنية والشعب، ورئيس الجمهورية ونائبه يتم انتخابهم مِن قِبَل الجمعية الوطنية، ويعيَّنان لمدة خمس سنوات، ورئيس الجمهورية هو القائد العام للقوات المسلحة.
ويتكون البرلمان في”موريشيوس” من مجلس واحد هو (الجمعية الوطنية) وتتشكل من 70 عضوًا، يُنتخب 62 منهم عن طريق الاقتراع الحر المباشر وفق نظام (أول من يصل يفوز بالمقعد first-past-the post Voting)، بينما تختار لجنة الإشراف على الانتخابات الثُمانية أعضاء الباقين بقاعدة (أفضل الخاسرين) لضمان تمثيل الجماعات الإثنية والدينية والأحزاب السياسية التي لم تُمَثَّل بشكلٍ كافٍ، وتُنتخب الجمعية الوطنية مرة كل خمس سنوات.
وتتعدد الأحزاب السياسية، إلا أن هناك ثلاثة أحزاب رئيسية تتداول السلطة فيما بين تحالفاتها؛ هي: حركة موريشيوس الاشتراكية، والحركة الكفاحية الموريشية، وحزب العمل.
وحقَّق الاقتصاد “الموريشي” معدل نمو مرتفعًا نسبيًّا ليتجاوز 5% منذ 1977 حتى 2008، مقارنةً بـ 3.2% لأفريقيا جنوب الصحراء، مع الحفاظ على مستويات تضخُّم متدنية، كما تضاعف الناتج المحلي لأكثر من 100%، منذ أواخر التسعينيات حتى 2009، وتضاعف متوسط دخل الفرد ليصل من 500 دولار عام 1970 إلى 9770 دولار عام 2016، كما تحول الاقتصاد “الموريشي” من حالة التركز السلعي والجغرافي المتمثلة في اقتصاد السكر والتصدير للاتحاد الأوروبي، إلى تنويع أعمدة الاقتصاد والشركاء التجاريين..ليعتمد على زراعات متعددة كالشاي (كثيف العمالة لمواجهة أزمة البطالة)، وصناعة المنسوجات، والاهتمام بقطاع السياحة، وإصلاح أداء القطاع المصرفي والمالي، وأصبحت “موريشيوس” مركزًا لوجستيًّا للربط بين جنوب وشرق أفريقيا وبين الهند والصين، كما عملت على جذب الاستثمار عن طريق الحوافز الضريبية، ومكافحة الفساد الحكومي، وتمهيد البيئة التشريعية الجاذبة للاستثمار.
كذلك ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة من (62.93 سنة) عام 1968 إلى (74.35 سنة) عام 2016، وفي المقابل انخفض معدل وفيات الرُّضَّع من 64 طفلًا من كل 1000 طفل عام 1970 إلى 15 طفلًا من كل 1000 عام 2008، وتصل المياه النظيفة إلى 100% من السكان.
وتكفُل “موريشيوس” مجانية التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الثانوية، ولا تكفل الدولة مجانية التعليم الجامعي، وتنفق على التعليم نحو 3.7% من الناتج القومي الإجمالي، وبلغت نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم نحو 12.5% من حجم الإنفاق الحكومي، كما بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 92% من إجمالي السكان، وانخفضت معدلات الفقر (أقل من 1.9 دولار في اليوم) من 40% عام 1970 لتصل إلى 0.5% عام 2012، كما انخفض معدل البطالة من 20% تقريبًا في أوائل السبعينيات، إلى 5% أواخر التسعينيات..
ووفق آخر إحصائية صادرة عن الحكومة الموريشية بلغت معدلات البطالة بين الذكور 4.6%، وبين الإناث 10.6%، بمعدل بطالة إجمالي 7%، وكذلك بلغت نسبة السكان في موريشيوس الذين يمتلكون مساكنهم إلى نحو 87% مقارنةً بـ 70% من السكان في الولايات المتحدة.
ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/06/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="697" height="144" />
نشر فى فيتو الجمعة 12 أبريل 2019