خَضَعَ المشاهدون، جميعًا، رغم أنوفِهم، لجرعةٍ هائلةٍ من الإعلاناتِ طوال أيامِ الشهرِ الكريمِ، من خلالِ الشاشة الفضية.. المشكلةُ أن بعضَ تلك الإعلانات، أو لنقلْ “جلّها”، تحوي سمومًا قاتلةً.
السلوكاتُ الاستهلاكيةُ هي أخطرُ الأنواء التي تصيب المشاهد، لا سيَّما إن كان من أصحابِ الدخولِ المعقولةِ، والذي يقدرُ على شراء المنتجاتِ التي يجري الترويجُ لها، والبضائع التي تُزَيِّن الإعلاناتُ للجمهور شراءَها.
النقطةُ الثانيةُ هي أن ميزانية الإعلانات يتم تحميلها، طبعًا، على كاهلِ “الزبون”، الذي يخضع للإغراءات ويدفع الثمن.. الغريب أن كثيرًا من الشركات تستعينُ بنجومٍ من الصفِّ الأول؛ في الغناءِ، أو التمثيلِ، أو الرياضةِ، ويطاوعُها قلبُها فتغدقُ عليهم عشرات الملايين، دونَ أن يرمشَ لها جفنٌ.. الأغربُ أن بعضَ الشركاتِ استعانت بنجومٍ أجانب، وبطبيعةِ الحالِ فهؤلاء يتقاضون أجورَهم بالدولار!!
ألم يفكرْ مسئولو تلك الشركاتِ، لحظةً، في أداءِ دورٍ اجتماعيٍّ مهمٍّ، بتوجيهِ جزءٍ من هذه الملايين إلى أعمالِ الخيرِ؟! أنا أعتبرُ أن ما تقومُ به مؤسسةُ “مصر الخير”، وصندوقُ “تحيا مصر” من فكِّ كربِِ الغارمين والغارمات، على سبيل المثال، عملًا يستحقُّ من فَكَّرَ فيه أعلى الجوائز والتكريمات.
كان من الممكنِ تخصيصُ جانبٍ من الميزانيات لإنشاءِ مدارس أو مستشفياتٍ للفقراءِ ومحدودي الدخل، بدلًا من إهدارِ تلك الأموال الهائلة على الرقصِ والغناءِ، في محاولةٍ لإقناعِ العملاءِ بشراءِ المنتجاتِ!
في الوقتِ نفسه، لم أفهمْ إعلانَ إحدى جمعيات الأعمال الخيرية عن صفحةِ المساعدات التي أنشأتها على “فيس بوك”، فما هي الفائدةُ المباشرةُ التي تجنيها المؤسسةُ من ورائه؟! وما الذي يدفعُها لإنفاقِ ميزانيةٍ ضخمةٍ من أجلِ الإعلانِ عن الصفحة؟!
على استحياء، بدأ مستشفى “57” خطته الإعلانيةَ هذا العام، بأقل جدًّا من الأعوامِ السابقةِ، وشيئًا فشيئًا زادت إعلاناتُه، لكنها لم تصلْ لمستوى الأعوامِ الماضية.. وهذا وضعٌ طبيعيٌّ بعد الحملةِ الشديدة، المدعومةِ بالمستنداتِ التي واجهتها إدارةُ المستشفى، وكشفت عن الفسادِ المستشري به، وجرائمِ إهدارِ أموالِ التبرعاتِ في غيرِ مواضعها.
إعلانُ مركزِ القلبِ بأسوان “د. مجدي يعقوب” من أجمل الإعلانات، برقته، وعذوبته، وبساطته، ومصداقيته، كذلك إعلانات مستشفيات “الدمرداش”، و”معهد الأورام القومي”، و”أهل مصر”، و”بهية”، و”500/500″… وغيرها.. حيثُ تمَّ تصميمُها بحرفيةٍ وإتقانٍ، وواقعيةٍ.
السمُّ الزعافُ، هو ما حواهُ إعلانُ المشروبِ “المنبه”، حيث نشاهدُ مجموعةً من الشبانِ الكسالى، وهم يتوهمون أن المشروبَ يساعدهم في المذاكرة، ويأتون بتصرفاتٍ كالسكارى، وبالتأكيد فإن معظمَ الشبابِ سيقلدونهم في تصرفاتِهم السيئةِ.
وكذلك الابتذالُ في إعلاناتِ الملابس، خاصةً أن بطلَ الإعلان معلّقٌ رياضيٌّ، طاعنٌ في السنِّ، يحاولُ أن يتقمصَ دورَ الشاب! وجاءَ الابتذالُ والترخصُّ من الفتيات والشيخ المتصابي!
وعن الإعلاناتِ المقتبسةِ من إعلاناتٍ أجنبيةٍ فحدِّث ولا حرج؛ من حيث الخروج عن التقاليد المصرية.. أمَّا الإعلانات الاستفزازية للمدن الجديدة، والفيلَّات، والشققِ الفخمة، فقد تخطت كلَّ الحدود، وكان يجبُ أن توضعَ عليها تنبيهات أو تنويهات “للكبار فقط”!!