صَلُّوا عليْه وسَلِّمُوا تسْليمًا.. حنَّ إليه الجذعُ، وشكا إليه الجملُ، وهرع إليه الذئبُ، والتجأت إليه الغزالة.. كان، صلى الله عليه وآله وسلم، الملجأ، والمأوى، والمثوى للفقير، والمسكين، والغريب، والضعيف، والمريض، والمحتاج، وكلهم وجد لديه مأربه.. كيف يتسنَّى كلُّ هذا الحبُّ لشخصٍ مهما كانت وضعيته، ومنصبه، وقيمته، وثراؤه، وقوته، إن لم يتسم بالرحمة، ويتصف بالحنان، والحنو، والتسامح؟!
لماذا يسعى المتشددون والمتطرفون، بكل ما أوتوا من قوة، للنيل من هذا الجانب الرائع في شخصية النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بل والتعتيم عليه، وإخفاء مظاهره، لغرض خبيث في نفوسهم؟! ولماذا يحاولون، جاهدين، لتصوير النبي العظيم، صلى الله عليه وآله وسلم، على أنه رسول الحرب، ونصير السيف، ورافع لواء العنف، وأعوذ بالله من وسمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه “سافك الدماء”، حتى لو كانت تلك الدماء للكافرين والمشركين.
لم يدْعُ، صلوات ربي وتسليماته عليه، يومًا، إلى الحرب والقتال، ويؤكدُ القرآن الكريم أنَّ اللهَ تعالى هو الذي أمر المسلمين الأوائل بالقتال دفاعًا عن النفس والدين الوليد، ودرءًا لمفاسد الكفار، وردعًا لهم، وصدًّا للعدوان، ولم يأمر بالقتال من أجل القتل، وحبًّا في سفك الدماء.
المتطرفون شوهوا آراء أحمد بن حنبل، واستغلوا فتاوى “ابن تيمية”، وحرَّفوها بهدف تحقيق مآربهم وأهوائهم في القتل والتدمير والتحريق.
ومن يتتبع آثار الجماعات المتطرفة، ويقتفِ نشأة وتاريخ الشخصيات الشهيرة التي غالت في الشدة، يجد اعوجاجًا في الفكر، وتشوهًا في العقل، وانحرافًا في الثقافة والنشأة، وغيابًا للرشد، وافتقادًا للاتزان، والرؤية الموضوعية.. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحْصى.
الكارثة أنهم نسبوا كل ذلك إلى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وكذبوا، وافتروا، ووضعوا أحاديث من لدنهم، وتفاسير، من بنات أفكارهم الشيطانية، تدعو إلى العنف، وتحض على القتل، وتحث على إعمال السيف، وآلة الحرب، بحق من يخالفهم في الرؤى، وليس فقط من لا يدين بدين الإسلام!
هناك آية، في سورة “محمد”، تقول: “فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ”. (4)
يحتج بها القتلة بأنها أمر بقتل الكفار، فيما اختلف العلماء في تفسيراتها، فقال بعضهم إنها تحثُّ على إطلاق سراح الأسرى منًّا أو فداءً، وعتق رقابهم.. وقال آخرون إنها تدعو إلى الشدة والغلظة ضد الأعداء، دون قتلهم.. وقال جماعة: إنها منسوخة..
وفي تفسير “القرطبي”: قال ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء: “فإمَّا منًّا بعدُ وإما فداءً”، فلا يُقتل المشركُ، ولكن يُمنُّ عليه ويفادى، كما قال الله عز وجل.
وقال أشعث: كان الحسن يكره أن يقتل الأسير، ويتلو “فإما منا بعد وإما فداء”.. و”أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله؛ لكنه بالخيار في ثلاثة منازل: إما أن يمن، أو يفادي، أو يسترق”.
وذكر المفسرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم “فادى سائر أسارى بدر، ومَنَّ على ثُمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده، وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أُناسًا من المسلمين، وهبط عليه، عليه الصلاة والسلام، قومٌ من أهل مكة فأخذهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومَنَّ عليهم، وقد مَنَّ على سبي هوازن.. وهذا كله ثابت في الصحيح..
ولا أصدق أن رسول الرحمة، صلى الله عليه وآله وسلم، قتل إنسانًا قطُّ.. ولا يعقل ما زعموه من قتله عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبرًا.
فهل يصدق عاقل أن الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان يتلذذ بسفك الدم، يعفو عن زهاء ألفين من الأسرى لمجرد علمه بالتفسير الصحيح لتلك الآية، ويجنح الرسول الذي أُنزل عليه الذكر الحكيم إلى قتل بشر، مهما فعل، ومهما عظم جُرمه؟!
فيتــــو 29 يونيــــو 2018
ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/06/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="663" height="137" />