محمد أبو المجد يكتب: يوم عبور «النمل»
هل كان السادات، رحمه الله، يدرك أنه عبقري، وأنه سيحكم مصر يومًا ما؟ اقرأ الواقعة التالية إذن لتعرف الإجابة.. “تعرض السادات للغرق، وهو يسبح في ترعة القرية، وكان قد ناهز الرابعة عشرة، وبعد أن أنقذه أصدقاؤه سألوه، كما اعتادوا أن يسألوا كل من يواجه محنة الغرق، ماذا رأيت وأنت تغرق؟ فقال: لم أر شيئا.. فسألوه: ألم تفكر في شيء وأنت تغرق؟ أجاب: نعم.. فكرت في أن مصر ستخسر أنور السادات”.
أما عن النصر العظيم، وفي ليلة 6 أكتوبر، لم ينم السادات في بيته، كان قد اختار قصر الطاهرة لإقامته وقت المعركة، وأعد به غرفة عمليات كاملة تحت الأرض بديلة لغرفة العمليات القريبة من قصر الطاهرة.. ومنها كان يتابع العمليات دقيقة بدقيقة مثل الغرفة الأصلية تمامًا.. وكان يعرف أن الموقف سيقتضي لقاءات سياسية دولية، ولذلك اختار هذا المكان القريب لمباشرة العمل السياسي.. وفي الوقت نفسه لم يكن أحد يدري أنه يشكل مركز القيادة العسكرية.
في تلك الليلة آوى إلى فراشه في موعده المعتاد، وكان قد أمضى يوم الجمعة بشكل عادي جدًا.. وصلى الجمعة في الزاوية التي اعتاد فيها الصلاة منذ 50 عامًا.. وعاد إلى قصر الطاهرة، وأعطى تعليماته يوم 5 أكتوبر.. واتصل به الفريق، آنذاك، أحمد إسماعيل، وسأله متى سيحضر في الصباح إلى غرفة العمليات، فطلب منه السادات أن يمر عليه في اليوم التالي، الساعة الواحدة والربع بعد الظهر، أي قبل ساعة الصفر بـ “خمس وأربعين دقيقة”.. ونام ملء جفونه.. واستيقظ في الصباح كعادته في الثامنة صباحًا، وبدأ بقراءة الصحف كالمعتاد.. وأدى بعض التمرينات السويدية، وأخذ حمامه، ثم ارتدى ملابسه العسكرية.. باشر عمله كالمعتاد، إلى أن مر عليه إسماعيل، وبعد عشر دقائق كانا في غرفة العمليات.
وفي الواحدة والنصف صدر البيان الخاص باعتداء اليهود علينا.. وفي غرفة العمليات، ورغم أوامره بالإفطار، فلم يفطر أحد.. فطلب هو فنجان شاي، والبايب من السيارة.. فبدأ الجميع يدخنون. وكان البلاغ الأول في الثانية بالضبط.. حيث أبلغت جميع قوات الخط على مسافة من بورسعيد إلى السويس بعبور الطيران.. كان من أقوى حوافز العبور أن ترى القوات مائتين وأربعين طائرة تمر فوقها في موجات على ارتفاع منخفض، مثل الوحوش المنقضة، ولم ينتظر الكثيرون أمر العبور، وبدءوا في نزول القناة بمجرد رؤية الطيران.
أخفى القادة عن السادات خبر استشهاد شقيقه عاطف.. كانت نتائج الضربة الأولى أكثر من رائعة، وأكثر من التوقعات بشكل خارق.. استمرت الطلعة عشرين دقيقة.. وبعد خمس عشرة دقيقة طلب السادات تكرار الضربة مرة أخرى.. أربعة آلاف موجة انطلقت تزمجر وتدمر.
ويصف السادات الجنود المصريين بـ “النمل”، قائلا في أحد حواراته الصحفية بعد المعركة: “هنا بدأ النمل يدخل.. ولادي كانوا زي النمل.. آلاف، وراء آلاف”.
جاءت أول البيانات عن غرس العلم المصري على الضفة الشرقية.. كان البلاغ من اللواء السابع.. توالت البيانات، وبدأت المدفعية الرهيبة تصب نيرانها على مواقع العدو. بعد 4 ساعات من ضربتي الطيران، وقصف المدفعية كان واضحًا أن إسرائيل فقدت توازنها بشكل كامل.. وبعد 6 ساعات تأكد أنها تعاني هزيمة منكرة.. لم تكن المدرعات قد عبرت.. المشاة والقوات الخاصة بالصواريخ المضادة بالدبابات قدموا أشجع معركة في تاريخ الحروب.. وهم يتصدون للواءات مدرعة كاملة من العدو، ويبيدونها.. فرقة لواء 190 أبيد في دقيقة.. ولواء يعني 120 دبابة.
والجديد أن السادات كان قد خطط لضرب عمق إسرائيل إذا تهور قادتها وحاولوا ضرب عمق مصر.
فيتــو الجمعة 13 أكتوبر 2017