خلال الأسابيع الأخيرة من سبتمبر ومطلع أكتوبر، شهد السوق المصري زخماً ملحوظاً مع إعلان عدد من شركات الهواتف المحمولة عن أحدث أجهزتها، على رأسها أبل وريلمي وفيفو وشاومي، إلى جانب علامات تجارية أخرى، هذا التزاحم في طرح المنتجات خلال فترة زمنية قصيرة يثير تساؤلات جوهرية: لماذا تختار الشركات المصنعة الهواتف الذكية الربع الأخير من العام لإطلاق أجهزتها الجديدة في مصر؟
بحسب خبراء التكنولوجيا والتسويق، فإن هذه الفترة تمثل ذروة النشاط الاستهلاكي في مصر، حيث تتداخل عدة مناسبات موسمية تؤثر على قرارات الشراء، منها بداية العام الدراسي، الجمعة البيضاء، موسم أعياد الميلاد ورأس السنة.
يقول المهندس محمد عبد العليم، خبير أسواق الأجهزة الذكية، إن “المستهلك المصري أصبح يخطط مسبقاً لتغيير هاتفه أو شراء جهاز جديد في هذه الفترة تحديداً، مستفيداً من موجة الخصومات والعروض الترويجية الضخمة”، ويضيف أن الشركات باتت تعتبر شهري سبتمبر وأكتوبر نقطة انطلاق رئيسية لتحقيق أرقام مبيعات قياسية قبل نهاية العام.
ترتبط هذه الاستراتيجية أيضاً بالتوجهات العالمية؛ فشركات مثل آبل وسامسونج اعتادت إطلاق هواتفها الرائدة في سبتمبر، وتستغل الشركات المنافسة مثل شاومي وريلمي وفيفو هذا الزخم، فتطرح أجهزة بديلة تستهدف المستهلكين الباحثين عن مواصفات متقدمة بأسعار أقل.
تؤكد الباحثة رشا فاروق، المتخصصة في سياسات التكنولوجيا، أن “المستهلك المصري يتأثر بالاتجاهات العالمية، إذ يتابع كل جديد من آبل وسامسونج، ثم يبحث عن خيارات تناسب قدراته الشرائية، وهو ما يمنح الشركات الصينية ميزة تنافسية واضحة في هذا التوقيت”، وتؤكد أنه رغم التحديات الاقتصادية في مصر مثل التضخم وتقلبات سعر الصرف، يظل الطلب على الهواتف الذكية مرتفعاً، إذ تحولت من جهاز ترفيهى إلى أداة أساسية للعمل والتعليم والترفيه.
يقول الدكتور حسام حنفي، الخبير الاقتصادي، إن “الشركات تراهن على زيادة السيولة لدى المستهلك المصري في نهاية العام، سواء عبر العلاوات والمكافآت أو الادخار الموسمي، ما يرفع القدرة على الإنفاق”، كما يشير إلى أن المنافسة الحادة بين العلامات التجارية تدفعها إلى خفض الأسعار أو طرح تقسيط مرن، مما يعزز فرص المستهلك في اقتناء هاتف جديد حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
تشير تقديرات مؤسسات أبحاث السوق إلى أن نحو 35-40% من مبيعات الهواتف الذكية عالمياً تتحقق خلال الربع الأخير من العام، وفي مصر، يقدّر الخبراء أن أكثر من ثلث المبيعات السنوية تتم بين أكتوبر وديسمبر، مدفوعة بالعروض الضخمة وحملات التسويق الموسمية..فعلى سبيل المثال، كشفت تقارير عام 2022 أن مبيعات الهواتف الذكية في مصر ارتفعت بنسبة تقارب 27% في الربع الأخير مقارنة بالربع الثالث من نفس العام، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة حينها، وهو ما يعكس استمرار قوة هذا الموسم كفرصة ذهبية للشركات.
إذا عدنا إلى السنوات الأخيرة، سنجد أن هذا النمط تكرر بوضوح، ففي 2019 مثلاً، حققت شركة شاومي قفزة ملحوظة في حصتها السوقية بعد إطلاق سلسلة “ريدمي نوت” في أكتوبر، لتستحوذ على اهتمام شريحة واسعة من المستخدمين الباحثين عن الأداء والسعر المناسب، وفي 2021، عززت ريلمي وجودها بإطلاق سلسلة جديدة من هواتف الفئة المتوسطة في نوفمبر، مما ساعدها على ترسيخ مكانتها بين أفضل خمس علامات تجارية في مصر، أما فيفو، فقد نجحت عبر التركيز على تقنيات التصوير في استقطاب جمهور الشباب خلال الربع الأخير من العام الماضي، لتسجل نمواً مضاعفاً في مبيعاتها..هذه الأمثلة التاريخية تؤكد أن توقيت الربع الأخير يمثل نقطة تحول لكثير من الشركات، حيث يكون النجاح أو الإخفاق في إطلاق المنتجات مرتبطاً بقدرتها على استغلال قوة الموسم.
وما يميز هذا الموسم أن كل شركة تأتي بخطة مختلفة، فريلمي هذا العام ركزت على تقديم سلسلة تستهدف الشباب الباحثين عن الأداء القوي والسعر المتوسط، فيفو وجهت حملتها نحو إمكانات التصوير، بينما راهنت شاومي على الجمع بين الأداء العالي والسعر التنافسي، هذا التنوع في الاستراتيجيات يعكس وعياً بضرورة مخاطبة احتياجات شرائح متعددة في وقت قصير وموسمي عالي الطلب.
الربع الأخير من العام يمثل للشركات المصنعة للهواتف المحمولة “الموسم الذهبي”، حيث تتقاطع فيه العوامل التسويقية والاقتصادية والعالمية، المستهلك المصري يتأهب للشراء مستفيداً من السيولة الموسمية والعروض، والشركات تسعى لمواكبة المنافسة العالمية واحتلال موقع متقدم في سوق محلي يتميز بالكثافة السكانية وارتفاع الطلب..وبالنظر إلى التجارب السابقة والأرقام المتاحة، يبدو أن هذا التوقيت سيظل لعقود قادمة حجر الأساس لاستراتيجيات التسويق والإطلاق في مصر، باعتباره الفترة الأكثر حيوية وإنتاجية في دورة مبيعات الهواتف المحمولة.