
في حياة الشعوب، هناك محطات فارقة تعيد صياغة المسار وتمنح الأوطان فرصة جديدة للحياة. ويوم 30 يونيو 2013 لم يكن مجرد تاريخ عابر في الروزنامة المصرية، بل لحظة حاسمة أعادت مصر إلى طريق الدولة، بعد أن كادت تُختطف لحساب مشروع لا يعترف بالوطن إلا كوسيلة عبور نحو التمكين.
لكن… ماذا لو لم يحدث ذلك اليوم؟
ماذا لو بقيت مصر رهينة لجماعة أعادت تشكيل المؤسسات بعقلية الغنيمة، وسعت لاختزال الدولة في مشروع عقائدي لا يحتمل التعدد، ولا يعترف بالوطنية؟
كنا، بلا شك، سنواجه مصيرًا يشبه ما شهدته دول عربية أخرى تمزقت جغرافيًا وانقسمت هوياتيًا. في ذلك الوقت، كانت الدولة تُفكك من الداخل، والدستور يُفصّل على مقاس التنظيم، والمؤسسات تُختزل في الولاء لا الكفاءة، والولاء يُمنح لمن يقبع في الظل ويوجه القرار من خلف الستار.
الاقتصاد كان ينزف، والسياحة تُجهَز عليها عمدًا، وسيناء تتحول شيئًا فشيئًا إلى بؤرة للتنظيمات الإرهابية. لغة التخوين غلبت على المشهد، والتكفير بات أداة سياسية، والخوف أصبح عنوان المواطن البسيط.
الجماعة لم تكن تمارس الحكم، بل كانت تمارس الإقصاء. لم يسلم أحد من محاولات التهميش، حتى المؤسسات السيادية نفسها. كان الهدف المُعلن – دون مواربة – هو “أخونة الدولة”، وتحويلها إلى أداة مطيعة في مشروع لا يعرف حدودًا، ولا يعترف بالسيادة الوطنية.
الجيش المصري، الحارس الأخير للهوية والدولة، لم يسلم بدوره من محاولات الاختراق والتفكيك. لم يكن مستبعدًا، إن استمر هذا المسار، أن نصحو على مشهد شبيه بما حدث في دول أخرى: تفكيك المؤسسة العسكرية، وإنشاء أجهزة موازية على أساس الولاء العقائدي، وربما ميليشيات طائفية تُنهي ما تبقى من مفهوم الدولة الوطنية.
لكن الخطر الأكبر، الذي ربما لم يكن كثيرون يرونه، كان على الهوية المصرية ذاتها. تلك الهوية التي تشكلت عبر آلاف السنين، من حضارة فرعونية عريقة، مرورًا بالإسلام الوسطي، ووصولًا إلى نهضة محمد علي. كانت هذه الهوية مُهددة بالذوبان في مشروع يُقصي الآخر، ويرفع رايات سوداء تختزل التاريخ في وهم الخلافة وتُنكر التعدد والتنوع.
ثم جاءت لحظة الوعي. خرجت الملايين في مشهد لا يُنسى، لتقول إن مصر ليست ورقة في يد تنظيم، ولا تُدار من خلف الكواليس، ولا باسم الدين. كانت 30 يونيو ثورة وعي، لا انقلابًا كما وصفها البعض. كانت صحوة شعب، وجوابًا قاطعًا على سؤال الهوية والكرامة والسيادة.
لقد كتب المصريون تاريخهم بأيديهم، وقرروا ألا يعودوا إلى الوراء. فالدرس واضح: الدول لا تُبنى على التمكين، بل على التعدد، ولا تُحكم بالشعارات، بل بالمؤسسات. ولو لم يأتِ 30 يونيو، لما بقيت الدولة، ولما استعدنا الوطن.