أخبارمقالات

خالد أبو المجد يكتب: “رصيف نمرة 6”

أولاً: لماذا يذهب المرء لتناول الطعام خارج المنزل؟، وثانياً: لماذا يهرول الشخص للزواج بأخرى غير زوجته؟، أسئلة ربما تبدو غير ذات صلة، كما تبدو أيضاً تافهة وسهلة الردود..ولكن دعونا بداية نسترجع بعض الأحداث “الإعلامية” “الأربعاء الحزين”، أو “رصيف نمرة 6” بمحطة مصر بوجهة نظر إعلامية.

مرة أخرى تثبت مواقع التواصل الإجتماعى أنها أكبر وأوسع إنتشاراً من أى وسيلة إعلامية أخرى، وأنها أصبحت مارد يصعب محاربته أو مجاراته، فتم تناقل أخبار الحادثة فى لحظات عبرها، وعن طريقها عرف الناس فى أقصى الأرض أن إنفجاراً حدث بمحطة مصر، ومن ثم بدأت متابعة الحدث.

للمرة المليون حققت قنوات التليفزيون المصري فشلاً منقطع النظير فى تغطية الأحداث، بل ووصل الفشل منتهاه، حيث كانت واحدة من قنواته تبث لقاء مذيع “رتيب” مع ضيف “مجهول” من داخل أستوديو يمتاز بالكئآبة والروتينية، والأخرى تذيع فيلماً تسجيلياً عن “نهر النيل” فى ذات التوقيت الذى تتبارى فيه القنوات الأجنبية لتغطية الحادثة، وعرض مشاهد الفيديو التى تم تسريبها فى نفس توقيت حدوثها، مما جعل المشاهد المصرى والعربى يذهب طواعية للقنوات الأخرى التى تتلقفه على طبق من ذهب لتصب فيه ماتشاء من جرعات الإعلام المغرض والموجه..وهذه هى إجابة السؤال الأول، حيث يلجأ المرء لتناول وجبته الإعلامية بالخارج إذا عجزت وجبته المنزلية أن تشبعه.

الأمر لا يتوقف عند وجبة واحدة، فوسائل الإعلام الأجنبية التى أعنيها محترفة للأسف، وتجيد التلاعب بمشاعر وأحاسيس روادها، وتعزف بدهاء على أوتار المصداقية والشفافية والحقيقة، وكيف أنها تروى لهم “ماوراء الكواليس”..وكلنا يعلم أن الطبيعة البشرية تبحث دائماً عن “الممنوع” الذى هو مرغوب، فتصبح الزيارة الواحدة لهذه القنوات زيارات عديدة، وبعد فترة وجيزة يجد المشاهد لدى هذه القنوات مأربه، ويصير مشدوداً لمتابعة برامجها عاشقاً لها عازفاً عن إعلامه الوطنى الذى أصبح يرى فيه كل المساوئ..وهذه إجابة السؤال الثانى.

وسقطة أخرى لإعلامنا الموقر فى تجاهله لرصد الملحمة الرائعة للجماهير المصرية دون تمييز بين دين أو عرق أوجنس فى حملة التبرع بالدماء، والتى أدت إلى إكتفاء المستشفيات من حاجتها من الدماء خلال ساعات قليلة، موقف يصف الوطنية والتلاحم بين اطياف الشعب فى أبهى صوره، وأجزم أنك لن تجده فى أى بقعة من بقاع الأرض خارج مصر.

وبعيداً عن الإعلام تبقى التكنولوجيا؛ التى لازال البعض يتعامل معها على أنها “الشيطان الرجيم”، الحل الأمثل والسحرى للكثير من المعضلات، فبدلاً من “عامل المناورة”، و”التحويلة”، و”برج اللاسلكى”، وغيرها من المصطلحات الخاصة بمنظومة السكك الحديدية يمكن الاستعاضة عنها ببرنامج كمبيوتر لا يتعطل، ولا يتعرض “للخطأ البشرى” الذى يروح ضحيته العشرات.

الوقت لا يحتمل التجارب، ويكفينا خبرات الآخرين، وكما قفزت المنظومة التعليمية فوق أسوار التعليم التقليدى المترسخ منذ قرون حان الوقت أن تتجه منظومة السكة الحديد -ومن قبلها المنظومة الإعلامية- “طواعاً أو كرهاً” للحظيرة التكنولوجية تلتمس منها التطوير والتحديث..منعاً لتكرار أحداث “رصيف نمرة 6”.

error: Alert: Content is protected !!