أخبارالأرشيفمقالات

“دماغيات” خالد أبو المجد: “الصيحة”

الاستماع للخبر

من العجيب فعلاً أن يجعل المرء ليوم مولده عيداً، يحتفى به كل عام، وهو يعلم تمام المعرفة أن هذه المناسبة تضيف إلى عمره المنقضى عاماً، وتنتقص من عمره المتبقى قدراً يعلمه الله وحده، بل ويوقن أن مرور تلك الأيام تسير به فى إتجاه واحد نحو نهاية الأجل الحتمية المنال..ورغم ذلك يحتفل.

تلك الأفكار راودتنى عقب إحتفال زوجتى وأبنائى بعيد ميلادى، لا أصدق أن كل هذه السنوات مرت، لابد أن هناك “حسابات خاطئة” كثيرة إرتكبتها خلالها، أصبح ماتبقى ليس بالكثير، لابد من مراجعة سريعة لخطة العمل القادمة قبل أن يحال بينى وبين ذلك.

أحسست يوماً أن صديقى صبحى يبالغ عندما قص علىّ كيف أنه أصيب بالهلع من “موت الفجأة”، عندما ترك صديقه فى السيارة، وعبر الشارع ليشترى الجريدة، وعاد ليجد “لمة” حول السيارة، وعندما أخترقها رأى صديقه الشاب منكفأً على وجهه وقد فارق الحياة.

وأستكمل صبحى: “جريت فى الشارع من المهندسين حتى أول شبرا، وأنا أنظر خلفى خوفاً من ملك الموت، وعندما أصبحت فى منزلى ظللت أياماً أخشى أن يغفو جفنى فأموت”.

نفس هذا الشعور أصابنى عندما ماتت أمى رحمها الله، وكذلك فى وفاة شقيقتى فجأة ودون مقدمات، بعد ساعات من حوار شيق معى، بعدها أصبحت أخاف أن أنام فيتوقف قلبى وأموت، أو أن يهبط مستوى السكر فى الدم وأصاب بغيبوبة أثناء نومى، وأصبح ذهنى لايفكر سوى فى إتجاهين: الأول كيف أعمل فيما بقى من عمرى خيراً كثيراً حتى إذا مت أكون قد نجوت من “الخسران المبين”، والثانى هو متابعة حالتى الصحية بدقة شديدة.

أن يصلك خبراً أن فلاناً أو فلانة توفاها الله، ليس أن تشهد وفاة جار أو قريب لك، أن تسمع ليس كما ترى، فليس الخبر كالمعاينة، وشعور الصدمة لا يدانيه شعور المشاركة فى الأحزان، والأشد ألماً هو فقدان الأعزاء؛ حتى وإن كان الموت راحة لهم.

فى الأيام القليلة الماضية فقدنا الكثير من الأحبة على مستوى الأصدقاء والزملاء والجيران، دون أن تكون عوامل التقدم فى العمر أو المرض أو الحوادث مسببات للوفاة، مما لايدع مجالاً للشك أن الموت لا يمكن أن ينحصر فى الكبار أو المرض، هو كالصيحة؛ من سمعها فلابد أن يلبى ندائها، صغيراً كان أم كبيراً..أو حتى طفلاً، لابد أن نحترم وصوله فى أى لحظة فهو قادم لامحالة، لا أدرى متى إلا أنه قادم.

اللهم أجرنا من موت الفجأة، وأجعل خير أعمالنا خواتميها، وخير أيامنا يوم لقاءك، وتوفنا وأنت راض عنا، وتجاوز عن خطايانا، وعاملنا بما أنت أهله، وأدخلنا بفضلك فى رحمتك، وأختم لنا بالباقيات الصالحات.