أخبارالأرشيفمقالات

خالد أبو المجد يكتب: “النقلة الأخيرة”

الاستماع للخبر

[box type=”success” ]فى النهاية ..أسند وائل ظهره للخلف بعد أن قام بتحريك الرخ ليلقى به أمام فيل فى تضحية غريبة..وضغط على عداد الوقت ليبدأ معه العد[/box]

أعشق الذكاء والأذكياء..وإتقانى للعبة الشطرنج منذ العاشرة كرس في النظر إلى الحياة بصفة عامة على أساس أنها عدد من لوحات الشطرنج، كل موقف نمر به أو مرحلة أو سنة دراسية وما شابه عبارة عن مباراة شطرنج، نقلاتك تحدد مستقبلك فى هذا الموقف أو السنة، فوزك فى المباراة يعنى أنك نجحت فى إجتياز هذا الموقف، وخسارتك تعنى هزيمتك..وكذلك التعادل.

فلسفة قد يري فيها البعض مغالاة، إلا أننى أعتقد أن لاعبى الشطرنج يوافقونى رأيي، ومن يختلف معى عليه فقط أن يعلم أن هذه وجهة نظر خاصة بى وليست ملزمة، كما إنها تشبيه لا أكثر.

فى العام الثانى من دراستي الجامعية أقيمت مسابقة بالكلية للعبة الشطرنج، وكان لها لاعبين كثر تضمهم كافتريا الكلية حتى ساعات متأخرة من اليوم، ولذلك سارعت بقيد إسمى فى المتسابقين، وكذلك أصدقائى خالد ع، وإسماعيل، وجمال ش، وهشام م .. وغيرهم.

أقيمت المسابقة بالنظام السويسرى؛ أى بعدد من الجولات؛ يتقابل فيها فى الجولة الثانية المنتصر فى الجولة الأولى مع نظيره، وهكذا، مما جعلنى بمساعدة الحظ أحتل المركز الرابع على مستوى الكلية بعد الفوز فى ثلاث جولات ..منها واحدة بعد عدم حضور المنافس -صفى الدين- الذى كان مصنفاً على مستوى الجمهورية والمرشح الأول للفوز بالبطولة؛ مما أعتبر إنسحاب لصالحى..!!

بعد المسابقة تم تصعيدى ضمن الأوائل الخمس كفريق ليمثل الكلية فى مسابقة الجامعة للشطرنج، وهنا أتحول للحديث عن صديقى خالد ع؛ الذى أبلى بلاء حسن فى الجولة الأولى والثانية، إلا أنه فى الجولة الثالثة إصطدمنا بمنتخب كلية الهندسة والذى كان محتكراً لبطولة الجامعة عدة سنوات..وإصطدم خالد ببطل الجامعة الذى أظن أن أسمه كان “وائل”.

كانت المباراة بين خالد ووائل ممتعة للغاية، جعلت كافة المتبارين يتركون مباراتهم ويلتفوا للمشاهدة، وكان خالد متفوقاً لحد كبير، بل إن “عداد التوقيت” كان فى صالحه بفارق واسع، وكان وائل هذا يستغرق الكثير من الوقت فى التفكير..إلى أن جاء موعدهم مع النقلة رقم 24 فى المباراة؛ وجاء الدور على وائل ليلعب.

إنتظر خالد كثيراً وكثيراً .. وقام وأشعل سيجارة ونفث دخانها ليخرج معه توتر الأعصاب المصاحب للأجواء، وظل يلف ويدور حول اللوحة، ووائل منهمك فى التفكير ممسكاً رأسه يعصرها بين كفيه، يفكر ويكتب فى ورقة المباراة ألعاباً له وردود منافسه وسط تعجب المشاهدين.. ويرفع نظارته بين الحين والحين خاصة بعد كل سيجارة يلتهمها إلتهاماً.

ظل وائل يركز بكافة حواسه فى اللوحة لفترة تجاوزت 20 دقيقة؛ نظراته ثابتة جامدة لا يهتز له جف، وكانت نظرات المحيطين كلهم تنظر إلى هذا الـ “خالد” الذى وضع بطل الجامعة فى ورطة جعلته يستغرق كل هذا الوقت فى التفكير، وفى النهاية أسند وائل ظهره للخلف بعد أن قام بتحريك الرخ ليلقى به أمام فيل فى تضحية غريبة..وضغط على عداد الوقت ليبدأ معه العد ضد خالد.

جلس خالد .. وبدأ ينظر إلى اللعبة الغريبة، التى تظهر كماً محترماً لابأس به من الغباء للخصم، فكيف يلقى بالرخ فى براثن الفيل ؟ .. ورضى خالد باللعبة وأصطاد الرخ؛ بعدها أهدى وائل وزيره لخالد مقابل الرخ..وقبل خالد الهدية؛ ليبدأ بعدها سيلاً من الألعاب الإجبارية -لا بديل عنها- إنتهت بعد حوالى 20 نقلة “إجبارية” إلى فوز وائل وموت الشاة لخالد .. !!

ict-misr.com/20399/382fuoqj/" rel="attachment wp-att-20401">ict-misr.com/wp-content/uploads/2021/08/382fuoqj.jpeg" alt="" width="1244" height="1240" />

كان تفكير وائل طوال هذه الفترة منصباً على كيفية أن يدير المباراة بالشكل الذى يريده ويفضله ويبرع فيه، وفى المضمار الذى يراه هو فقط، وقد تحقق له ذلك بعد تفكير عميق حتى وصل إلى “النقلة الأخيرة” التى غيرت مسار المباراة وحقق عن طريقها النصر.

المغزي أن الأذكياء ينجحون فى تغيير المسار تجاههم، ومن الغباء عدم تقدير قوة وذكاء خصمك، بل ويستطيع أصحاب الذكاء المتقد والعزيمة والصبر أن يتملكوا أسباب القوة التى ترجح الموازين تجاههم، وتمنع أن يأكل أحدهم نصيبهم، وتجعل الفوز حليفهم والنصر من نصيبهم مهما طال الوقت أو ظهر الموقف أنه فى صالح الخصم..فهم من يملكون أحقية تحريك “النقلة الأخيرة”.