أخبارالأرشيفمقالات

دماغيات: “نيرة” و”البرج”..وأخلاقيات المهنة

8

شهدت مصر الاثنين الماضى أحدثاً أدمت قلوب المصريين جميعاً، ودمعت لها أعين الصغير والكبير، وسارعت وسائل الإعلام فى تناقل أخبار مقتل فتاة على يد طالب بجوار جامعة المنصورة، وانتحار شاب من فوق برج الجزيرة، وآخر فى قناة السويس.

وتبارت مواقع التواصل الاجتماعى -طاعون العصر الحديث- والمواقع ووكالات الأنباء فى إبراز العناوين والمانشيتات المثيرة رغبة فى تحقيق أعلى نسب القراءة أو المشاهدات دون مراعاة لأحاسيس ومشاعر أهالى الضحية أو المواطنين الذين هالهم الحدث بصفة عامة.

ناهيك عن آراء بعض “المختلين” الذين سارعوا بإطلاق العنان لأفكارهم المنحرفة النابعة من نفوس متعالية، إبتلانا الله بهم، يحسبون أن الله لم يهد غيرهم، أو أنهم إمتلكوا مفاتيح الجنان، فأصبحوا يملكون صك المغفرة والجنة والإيمان، يمنحونه لمن يرضون شكله وملبسه، عقول مريضة، تحكمها الغرائز وتحركها الشهوات..ناهيك عنهم وعن ما تقيؤوه، لفت نظرى هذه التغريدات الخاصة بأخلاقيات مهنة الصحافة كما يجب أن تكون، للدكتور عمرو عادل، أخصائى الطب النفسى، وأنقلها هنا نصاً.

يقول الدكتور عمرو: “فى سنة 1962 انتحرت مارلين مونرو، وكانت وقتها واحدة من أشهر الشخصيات فى العالم، كل الصحف ووسائل الإعلام قامت بتغطية الخبر على نطاق واسع، والتعاطف معاها أصبح حديث الناس فى العالم كله تقريبا، فى الفترة دى ارتفعت نسبة الإنتحار فى أمريكا 21 % اكتر من نفس الفترة فى السنة اللى قبلها .. ‏ودى كانت أول مرة يتم لفت النظر لإعتبار الإنتحار مرض معدى”.

ويستكمل د. عمرو: “من الوقت ده لحد دلوقتى فى 50 دراسة مختلفة اثبتت ان نوعيات معينة من التغطية الإعلامية لحالات الإنتحار، (ومنها طبعا وسائل التواصل الإجتماعى)  بتزيد من احتمالية انتحار الأشخاص المعرضين أصلا لخطر الإنتحار.

وأضاف: “الهيئة الوطنية الامريكية لمكافحة الإنتحار عملت قواعد ارشادية لتغطية حالات الإنتحار زى مثلا:

– عدم استخدام عناوين مثيرة زى: انتحار فلان بواسطة طلقة من مسدسه الخاص، وانما يتم استخدام عنوان محايد زى : وفاة فلان عن عمر كذا وذكر سبب الوفاة يكون جوا الخبر نفسه مش فى العنوان الرئيسى.

‏-عدم استخدام صور أو فيديوهات عن موقع الإنتحار أو طريقته، وبدلا منها يتم استخدام صور قديمة زى صورة من أيام الكلية مثلا.

– عدم وصف الإنتحار بإنه فجائى أو غير متوقع، والتأكيد على فكرة ان الإنتحار كان له مقدماته المعروفة.

– عدم المبالغة فى أخذ ردود الفعل من أهله أو من الشرطة، وبدل منها ‏يتم اخذ رد الفعل من المتخصصين فى الإنتحار للتوعية بخصوص عوامل خطورته واشاراته وطرق منعه.

– عدم الإشارة للإنتحار على انه كان مسبوق بحدث عابر زى قصة حب فاشلة مثلا أو طرد من العمل أو خلافه، لإن دا بيساعد على تبسيط الإنتحار وتضليل الناس بخصوص طبيعته المرضية.

‏لما تم التعامل الإعلامى طبقا للقواعد دى مع حالة انتحار كيرت كوباين سنة 1994 مع التركيز الشديد على الألم اللى سببه انتحاره لعائلته ومحبيه رصدت الجهات الامريكية انخفاض فى نسب الإنتحار وزيادة حالات الإستغاثة برقم الطوارئ الامريكى الخاص بمكافحة الإنتحار.

‏ويختتم د. عمرو تغريدته قائلاً: “البوست اللى بتكتبه على الفيسبوك أو الصفحة اللى بتساهم فى نشرها ممكن جدا تكون قوة الدفع الاخيرة تجاه الإنتحار لشخص ما معرض أصلا نفسيا لخطر الإنتحار، الإنتحار مرض معدى، وممكن انت نفسك بدون ما تحس تكون أحد نواقله”.

ويضيف: “الإنتحار مش اختيار شخصى ومش حدث رومانسى يدعوا للتعاطف، ‏طبقا لمنظمة الصحة العالمية 90% من حالات الإنتحار سببها مرض نفسى، (غالبا الإكتئاب)، الإنتحار مرض او بمعنى اصح نتيجة مرض، وماينفعش ابداً يتم اضفاء طابع الرومانسية عليه أو تسطيحه أوالتهوين من أمره أو التعامل معاه على انه حل جذرى للمشكلات أو نهاية حتمية للألم”.

error: Alert: Content is protected !!