أخباراتصالاتالأرشيفمقالات

محمود الشريف يكتب: تاريخ البريد

إختلف المؤرخون في تفسير كلمة “بريد”، وانقسمت آرائهم حول أصل الكلمة إلى ثلاثة إحتمالات :

1- الأصل الفارسي : حيث إعتمدوا أنها مأخوذة من كلمة(بريد دم) الفارسية ومعناها (مقصوص الذنب) لأنه كان من عادة الفرس أن يقصرا أذناب الخيل والبغال التى ينقلون عليها البريد تمييزا لها عن غيرها. 

2- الأصل اللاتيني : حيث يعتقدون أن كلمة (بوستة) المستعملة فى اللغة العربية الدارجة فإنها مأخوذة من الأصل اللاتينى postita station ومعناها محطات البريد التى كان الرومان يقيمونها بين كل مسافة وأخرى.

3- الأصل العربي : يرى هؤلاء وهم الأغلبية أن كلمة بريد مشتقة من كلمة “برد” أو “أبرَد” بمعنى أرسل د، والاسم منها “بريد” فيقال أبرد بريداً أى أرسل رسولاً، ويقال أيضا أنه فى اللغة العربية(البريد) كلمة عربية الأصل مشتقة من (البردى) أى العباءة فقد كان الرسل الذين يحملون الرسائل من بلد لآخر يلبس كل منهم بردة حمراء للدلالة عليه.

عرفت مصر البريد منذ عهد الفراعنة، حيث قاموا بتنظيم نقل البريد خارجيًا وداخليًا، وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون ضفتي النيل في ذهابهم وإيابهم في داخل البلاد، ويسلكون إلى الخارج الطرق التي تسلكها القوافل والجيوش، وأول وثيقة جاء بها ذكر (البريد) يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشر (حوالى2000 ق.م)، وهو وصية كاتب لوالده يطلعه فيها على أهمية صناعة الكتابة والمستقبل المجيد الذى ينتظره فى وظائف الحكومة.

وقال فى رسالته : ”أما ساعى البريد فإنه يحمل أثقالا فادحة ويكتب وصيته قبل أن ينطلق فى مهمته توقعا لما قد يصيبه من الوحوش والآسيويين”.

وفي عهد البطالمة انقسم البريد إلى قسمين: البريد السريع لنقل بريد الملك ووزيره وموظفي الدولة، وكان يستخدم في نقله الجياد السريعة، والبريد البطيء لنقل البريد بين الموظفين في داخل البلاد.

أما في في العصر الحديث فلم يكن للبريد في مصر وجود بالمعنى الصحيح قبل ظهور محمد علي باشا الذي لاحظ عند قيامه بوضع الأسس والنظم الحديثة في جميع فروع الدولة وجود خلل في الاتصال بين مختلف المؤسسات الحكومية بعضها ببعض، ومن هنا نشأت فكرة البريد الحكومي للاتصال بين الجهاز الإداري المركزي الموجود وقتئذ بالقلعة في القاهرة وجميع الجهات في الصعيد والوجه البحري، وأصبح ذلك نواة نظام البريد الحكومي في مصر.

وعندما وصل الخديوي إسماعيل إلى سدة الحكم كان طموحه كبيًرا لتحديث مصر وجعلها قطعة من أوروبا، فعمل على إدخال النظم الأوروبية إلى جميع مرافق الدولة، و نظرا لأن المواصلات البريدية كانت من أهم وسائل تقدم الشئون التجارية والاجتماعية، فقد اهتم إسماعيل بالبريد اهتماما ملحوظا، وأدرك الخديوي إسماعيل أهمية تمصير مرفق البريد حيث قام في عام 1865 بدمج البريد الحكومي والبريد الأفرنجي الذي كان يمتلكه الاجانب فيما عرف باسم “البوسطة الخدوية”.

وفي عام 1865 صدر الأمر بتكليف موتسي بك رئيس مصلحة البريد بالسفر إلى أوروبا للتوصية على طبع طوابع البريد لإستعمالها في التخليص على المراسلات أسوة بما يحدث في أوروبا، وقد اعتبرت هذه الطوابع كالعملة النقدية وكانت لها قيمة مقررة، وقد سلمت تلك الطوابع إلى المالية فور وصولها إلى القاهرة لتحفظ بها تمهيداً لطرحها في الأسواق، وقد بدأ إستخدام طوابع البريد لأول مرة في يناير سنة 1866.

وعرفت هذه المجموعة بإسم “المجموعة الأولى” تميزاً لها عن عدة مجموعات لاحقة، وقامت بطبع تلك المجموعة مطبعة أخوان بيلاسي بجنوا “إيطاليا” ، وعندما قاربت طوابع الطبعة الأولى على الانتهاء، كلفت الحكومة المصرية مطبعة بناسون بالإسكندرية بطبع كمية جديدة.

وقد جاء هذا الطابع يحمل صورة الأهرام وأمامه أبو الهول وعلى اليمين مسلة كليوباترا وعلى اليسار عامود السواري، وبأعلاه وبأسفله كتابة باللغة التركية وفي الركنين العلويين والسفليين كتابة باللغة الإيطالية.

وعندما استقال موتسى من إدارة مصلحة البريد فى عام 1876 عين الخديوي إسماعيل خلفا له المستر “كليار” الإنجليزي، الذي أخذ ينشئ مكاتب جديدة حتى بلغ عددها مائتي مكتب وعشرة يعمل بها ثمانمائة وثلاثون موظفًا، وجعل توزيع المراسلات يوميًا بين القاهرة والإسكندرية وجميع الجهات المهمة بعد أن كان أسبوعيًا.

وفي عام 1873 اشترى الخديوي إسماعيل أسهم شركة الملاحة البحرية بالبواخر “الشركة العزيزية”، وحولها إلى مصلحة حكومية عرفت باسم “وابورات البوستة الخديوية” فاتسع نطاق مصلحة البريد، وهكذا توسعت خدمة البريد فأصبح للبريد المصري عدة مكاتب في استانبول وجدة وأزمير وغاليبولي وبيروت وقوله وسالونيك.

ونظرا لتعذر وصول البريد إلى الأماكن البعيدة عن خطوط السكك الحديدية، أنشأ في أول مايو عام 1899 نظام الخطوط الطوافة، فكان يتم تكليف شخص يسمى الطواف بتوصيل البريد إلى المناطق النائية سيرًا على الأقدام.

وفي أغسطس عام 1921 أنشئ أول بريد لنقل المراسلات العادية بالطائرات من القاهرة إلى بغداد، وكانت تتولى نقله فرقة الطيران الملكية البريطانية، وكان البريد الجوى يسافر من مدينة القاهرة مرة كل أسبوعين.

وفي ديسمبر سنة 1926 حلت شركة الطرق الجوية الإمبراطورية محل فرقة الطيران الملكية البريطانية.

ألحقت مصلحة البريد في أول أمرها بنظارة الأشغال ثم نقلت تبعيتها بعد ذلك لعدة نظارات، وفي ديسمبر 1865 تم إلحاقها بديوان عام المالية، وفي عام 1919 صدر القانون رقم 7 بإنشاء وزارة المواصلات التي تشمل السكك الحديدية و التلغرافات والتليفونات ومصلحة البريد ومصلحة المواني والطرق والنقل الجوى.

وفي عام 1931 صدر قانون شامل تناول جميع رسوم نقل البريد، وقد تم في هذا العام نقل مقر إدارة البريد من الإسكندرية إلى القاهرة واستقرت بمبناها الحالي بميدان العتبة، وفي عام 1957 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 710 بإنشاء هيئة البريد المصرية لكي تحل محل مصلحة البريد.

المهندس رامى إسحق

 

error: Alert: Content is protected !!