أخبارالأرشيفمقالات

“دماغيات” أبو المجد: فى البلـــــــد (1)

سلسلة من القصص الحقيقية

الاستماع للخبر

أسرتنا كانت مكونة من 6 أبناء وأمهم رحمة الله عليها، 3 بنات هم الأكبر، و3 صبيان، احتل بينهم الترتيب الأصغر أو الأخير، كنا ننتظر الأجازة الصيفية بفارغ الصبر، علشان بنسافر نقضيها فى البلد “جرجا-بمحافظة سوهاج”.

فى البلد كنت بأعمل كل اللى أنا عايزه، يعنى مثلاُ بألعب كورة من بعد الظهر للعشاء بدون أى إعتراض أو تنبيهات من نوعية “متوسخش هدومك، متتأخرش، متلعبش بعيد، ساعة وتيجى، لو إتعورت هأموتك..وهكذا”، كل اللى أنا عايزه فى اللعب بأعمله، وهدومى بتتوسخ عادى جداً، لأنى هأروح آخد حمام وأغير هدومى وأبقى فى قمة الشياكة..أساساً كان ممكن يعدى اليوم بحاله دون أن أرى أمى أو ترانى.

فى البلد كنت بأروح الغيط الصبح؛ متعة مابعدها متعة..أركب الحمار وأوصل الغيط، طبعاً اللعب فى الطين من الأساسيات، وصناعة التماثيل والبيوت من الطين والبوص ده أساسي، والتفنن فى تشييد بيوت بطوابق كثيرة، وفى موعد الغذاء تلاقى أجمل جبنة قريش وجبنة قديمة رائعة، وطبعاً العيش الشمسي اللى يتاكل حاف من جمال طعمه.

أجمل ذرة مشوي أكلتها بعد قطفها من الزرع طازجة، وشويها على “قلاح الذرة” فى “الكانون” الذى صنعناه بأيدينا، وطبعاً مش بننسى نحط فى كوز الذرة عود من الحطب علشان نعرف نمسك الكوز من على النار، وياسلام بقى لما نطلعها من على النار اللى كنا بنتعب قوى علشان نشعلها، ولما تستوى نقعد فى “التايا” اللى هى “دروة من الغاب” ونبدأ ناكل فيها بكل نهم..وحبس بكوباية شاي على الفحم من اللى متوصي عليها.

أذكر إنى كنت بآكل الباذنجان من على الشجرة، آكل الجزء الاسفنجى اللي بدون بذر ولما أوصل للبذور أرميها وآخد غيرها، والخيار حدث ولا حرج، أقسم بالله كنت بآكل منه زى التسالي طول النهار، وبأختار الخيارة الرفيعة الطويلة اللى لسه فيها الزغب دليل على أن بذورها صغيرة وأليافها طرية وحلوة.

الملوخية كانت بتطلع “شيطانى” وسط الزرع -آه والله زى مابقولك- يعنى دون قصد زراعتها، بذورها بتكون مختلطة مع بذور الزرع الاخرى، علشان كده بأتجنن لما ألاقيها هنا فى الأسواق بـ 40 جنيه الكيلو، وأوراقها كانت خضراء وكبيرة ومفرودة، أذكر إن واحدة قريبتى طلبت من إبن عمى شوية ملوخية فبعث لها حمل “حمار” بالكامل، يعنى تقريباً 70 أو 80 كيلو، لدرجة إنها إتصدمت وقالت هأعمل إيه بده كله.

فى الغيط كان فيه شجرتين بجوار الساقية -بكيت مؤخراً لما عرفت إنهم تم قطعهم- واحدة منهم طالعة بميل ثم مستقيمة لأعلى، الميل ده كان المقعد المفضل بالنسبة لى، كنت بأطلع عليه وأشوف الأرض الواسعة الممتدة فى كل إتجاه، وطبعاً مع الهدوء والسكون اللى مفيهوش أى نوع من الازعاج أو الضجيج، اللهم إلا صوت زقزقة العصافير ومداعبة الهواء لأوراق الأشجار، مع ده كله كان بيطلع “العندليب” اللى جوايا، ومع “اللذغة” اللى فى لسانى تسمع أحلى “حبك ناي” و”أهواك وأتمنى لو أنساك” وغيرها.

فى البلد كان اليوم بيبدأ فى الساعة 5 الفجر، وينتهى بعد العشاء بشوية، مكانش فيه تفكير فى أى شئ أو قلق من أى شئ سوى حاجة واحدة بتحصل بالليل..العقارب والثعابين.

إيه اللى بيحصل فى ليل البلــــد ؟.. يتبــــــــــع …