أخبارالأرشيفمقالات

“دماغيات” أبو المجد: فى البلــــد (3)

طائــــرة الرش

الاستماع للخبر

فدان من الأراضي الزراعية خصصه أهل قريتنا كمقابر، وضربوا حوله أول سور من الطوب الأحمر والخرسانة فى تاريخ القرية، اشتركوا معاً في تشييده وتركوا حرية البناء داخل هذا السور لعائلات القرية -اللي عايز يبني مقبرة ليه ولعائلته يبني- فقامت كل عائلات قريتنا ببناء مقابر خاصة لهم في صفوف متوالية يميناً ويساراً، ولما أنتهوا بقيت مساحة فارغة تزيد عن نصف المساحة الكلية للمقابر.. مثلت الملعب الرئيسي لشباب القرية.

أذكر من هؤلاء اللاعبين: “أنا وأخوتي محمد وفرج والدكتور هريدي ومتولي وحربي وأبو الوفا وإسماعيل رضوان وإبراهيم ومنصور وصدقي..والمرحوم ممدوح الضوي، الذي كان هو المنسق والمنظم الأساسي لجميع المباريات تقريباً، وكانت المباريات تجري عقب صلاة العصر، وطبعا علشان مفيش كهرباء في القرية كنا نلعب حتى حلول الظلام ..واستمر الحال علي هذا الوضع سنوات طويلة حتي بدأت العائلات فى التكاثر، وبدأت مرحلة جديدة من إنشاء المقابر، وتأكلت مساحة ملعبنا تدريجياً، وأنتقلنا بعدها للعب لفترة صغيرة فى مطار “طائرات الرش”، وفيما بعد سافر من سافر من اللاعبين، ومات من مات، وأنتهت لعبة كرة القدم من قريتنا بعد هذا الجيل.

علي ذكر طائرة الرش؛ كان بيحصل مصائب رهيبة منها، طائرة الرش كانت بتقوم برش المبيد الحشري المخصص لإبادة دودة القطن، وطبعا كانت بترش بعض المنازل أو الترع أو المحاصيل الأخري قبل غيط القطن وبعده، والمبيد ده شديد السمية “توكسوفين”، واذكر أن كان في وفيات كتير بين الأطفال والكبار علي حد سواء نتيجة تسمم المياه أو المحاصيل وتناولها مع عدم غسلها مثل الطماطم والفلفل، والأكثر شيوعا تسمم “العيش الشمسي” الذي كان يتم نشره فوق أسطح المنازل عشان يخمر وبالتالي يتعرض لرش المبيد هو الآخر.

موقف شخصي حصل معايا، قررت فى أحد الايام أن “أتعلم الصبر”، فأشتريت خيط وسنارة، ورطتهم فى “جريدة النخل” وذهبت لأصطاد فى الترعة التى تم شقها آلياً حديثاً وتسمي “الترعة المرة” نسبة إلى شدة ملوحة مياهها نظراً لكونها “تصريف للمياه الجوفية الأرضية تحت الزرع.

الترعة التي تم شقها بالطرق الآلية لم يترك بجوارها أى شجرة للإستظلال بها، وبالتالي أصبحت “قاعد فى الطل” تلفحنى آشعة الشمس مباشرة من جميع الجهات، تحملت وتحاملت علشان أصطاد وأتعلم الصبر، وبعد حوالى 6 ساعات من المشقة أكرمني الله بعدد لابأس به من أسماك البلطى متوسطة الحجم، فوضعتها فى “فرع شجرة” وتوجهت إلى المنزل وأعطيتهم لأمي رحمة الله عليها قائلاً: “إعملي لنا بقى العشاء ياست الكل”.

فى السابعة مساء تقريباً بعثت لنا أمي لتناول العشاء، ذهبت إلى البيت وأنا فى بدايات “ضربة شمس” محترمة، تكسير فى الجسم مع إرتفاع فى درجة الحرارة، أمني نفسي بوجبة دسمة من الأسماك التي أصطدها بنفسي “وشقيت فيها”، وإذا بي أجد العشاء “طبيخ ولحم وأرز”، أمال فين السمك..سألت أمي رحمها الله.

أجابت رحمها الله: “بدوي إبن عمك قالي إن السمك ملوث بالتوكسوفين، الطائرة بترش الترعة، ولو أكلته هتموت، علشان كده رميته للقطة”، كنت على وشك أن أصاب بجلطة أو ذبحة صدرية، فلو كان الأمر كذلك كان السمك هيكون على وش المياه، مش هيعذبنى حتى يقع فى سنارتى، ثم أين القطة هل حدث لها شئ، ردت أمي: “وراك أهى وزى الفل..عايزاك ترمي لها أكل بعد ماخلصت ع السمك”.

سامحك الله يابدوي “رحمه الله”، ضيعت عليا أكلت السمك، والقطة تمام وماحصلش ليها حاجة..يلا الحمد لله، ومن وقتها حرمت أصطاد، وبلاها بقى الصبر والطريقة دى فى تعلم الصبر، وعلى رأى المثل “شراء السمك ولا اصطياده”.