الأرشيفمقالات
أخر الأخبار

“فؤاد أبو جلال”: “قصة حقيقية من وحي الخيال” .. (2)

يكتبها: خالد أبو المجد

الاستماع للخبر

المشهد الخامس: عم أحمد وأيمن

يتوجه فؤاد ابو جلال بصحبة “شوقي ريس العمال” الذى كان ينتظره والعمال الآخرين على المحطة إلى مقر المصنع سيرا على الأقدام، المسافة قرابة ٢ كيلو متر، تحت شمس مايو الحارقة، يتصببون عرقا ولكن كله يهون فى سبيل الجنيهات التى سيحصلون عليها، يلاحظ فؤاد أن بينهم رجل كبير فى السن يتخطى الـ 60 عاماً يسير ببطء وبصعوبة منحنياً ظهره،  وشوقي ريس العمال ينهره: شد شوية يا عم أحمد مش هنقعد طول النهار فى خطوتين، يرد عليه عم أحمد: بالراحة شوية يا أبنى عليا..أنا كنت فاكر إن هيكون فيه ركوبة منتظرانا.

  • شوقي: ركوبة .. هههههه .. وكمان حنتور بحصانين علشانك يا عم أحمد..أمال هتشتغل إزاى فى الخرسانة.
  • عم أحمد: ربنا هيعينى بإذن الله يا أبنى .. الحوجة مرة.
  • شوقي ساخراً: مرة؟ .. حط لها شوية سكر.. شد شوية وإلا هنسيبك ونمشى..وبعدين أنا إسمى الريس شوقي ومش إبن حد..مفهوم ياراجل إنت؟..وينغزه بأصابعه.

يمسك فؤاد بيد شوقي ويقول له: بالراحة ياريس مش كده، سيبه أنا هأسنده.

  • شوقي: طيب يا أبو قلب حنين .. أنا هأمشى .. ولو وصلتم متأخرين ملكمش شغل عندى.

يأخذ فؤاد بذراع عم أحمد ويرفعها فوق كتفه، ويسير معه حاملا إياه قدر المستطاع، ويصل فؤاد وزملائه للمصنع الضخم، وعلى الفور يدخلون إلى “الميز” الذى يجتمع فيه كل العمال من قبلى وبحرى، وينتظرون مقاول الانفار الذى سيعلمهم بطبيعة وطريقة عملهم.

يشكر عم أحمد فؤاد كثيراً ويدعو له: ربنا يسترك طول عمرك ويوهبك الصحة والقوة ويخلى كل الناس دايماً محتاجة ليك وأنت لاتحتاج إلى أحد ياولدى.

يجلس فؤاد مستندا إلى الحائط ممددا قدميه الساخنة من الطريق الطويل، يفتح منديله الذى وضعت له فيه أمه قطعة الجبن القريش ورغيف الخبز الشمسى الصعيدي المعروف، يبدأ فؤاد فى تناول طعاماً ليستطيع أن يكمل العمل فاليوم لازال فى بداياته.

يجلس بجوار فؤاد فتي صغير يكاد لايتجاوز العشرين من عمره، تبدو عليه علامات “ولاد الناس”، مما يلفت نظر فؤاد إليه، يقدم له كسرة من الخبز وقطعة جبنن يتناولها سريعاً الفتي ويدسها فى فمه، يسأله فؤاد بصوته العميق الاجش:

* إنت جعان؟

** جوى..بس مش مشكلة، دلوقتي نشتغل ونقبض ونجيب أكل بإذن الله.

* طيب خد اللجمة دى كمان..كده نبقي قسمنا الوكل مع بعض.

** بس إنت كده ما أكلتش حاجة..الباجى مش هيكفيك.

* لجمة هنية بتكفي 100 ياواد عمى .. أنت أسمك ايه، وإيه اللى رماك على الشغل الواعر ده.

** أنا إسمي أيمن..وحكايتى طويلة جوى، بعدين أبجى أحكيها لك..بس كده أنت بجيت أخويا بعد ما أكلنا عيش وملح مع بعض..ستي الله يرحمها كانت بتجولى كده.

* على الله وسيدنا النبي..أنا أخوك فؤاد أبو جلال، وبيسلموا علي بعض.

 

المشهد السادس: المقاول

يدخل المعلم رزق المقاول فينتبه الجميع، يشرح لهم العمل: اللى هالاقيه بيستعبط أو بيتكاسل هاشطب له اليوم وارحله، واللى هيعمل مشاكل هامشيه برضو، انتوا جايين تاكلوا عيش فياريت نحترم لقمة عيشنا..اتفضلوا صف ورا المعلم خالد .. هيوديكم على مكان الصبة.

يلملم فؤاد ماتبقى من طعامه ويلفه فى المنديل، ويقوم ليقف فى الصف خلف المعلم خالد ، ويتوجهون إلى مكان الصبة، يصل العمال إلى مكان العمل ويخلعون ثيابهم ويقفون بالسراويل والفانلة البيضاء ومن فوقها السديرى الصعيدي المعروف، ويلبسون “كزلك” الخرسانة الذى يتم صنعه من كاوتش السيارات الداخلى حتى لا تتأثر أقدامهم بمواد الخرسانة من أسمنت وغيره..وتبدا الخلاطة فى صب الخرسانة ليحملها العمال بالقروانة.

يستمر العمل لساعات طويلة حتى الثانية بعد الظهر، وتنطلق صفارة قوية معلنة وقت الراحة لمدة ساعة، ويستظل فؤاد بشيكارة أسمنت من آشعة الشمس الحارقة، ويخرج ماتبقى بالمنديل من الجبن القريش والخبز، يلفت نظره “عم أحمد” الراجل المسن، مش قادر يصلب طوله أو يقوم من مكانه علشان يروح ياكل لقمة أو يشرب كوباية شاى.

يذهب فؤاد إلى عم أحمد، ويساعده على النهوض، وياخذ بيده حتى يصلا إلى “نصبة الشاى”، يجلسه فؤاد فى مكان ظليل، ثم يذهب إلى “نعمة” بائعة الشاى التى صنعت لنفسها كشك صغير من خشب التسليح لتصنع للعمال الشاى والكوباية بـ ٥ قروش..يطلب منها كوب من الشاي قائلا: “تجلى لى الشاى جوى ياست”..تنظر له نعمة فاحصة، ثم تلوى شفتها متعجبة من هيئته وجسمه، اتفضل يابلدينا.

ياخذ فؤاد كوباية الشاي ويذهب للجلوس منفرداً ومشعلاً “سيجارة لف” ويسرح بمخيلته عند والدته واخوه.

 

المشهد السابع: حربي الصعيدي

يقرر جودت بك ضابط امن الدولة الا يضيع كثيرا من الوقت فى بدء عمله، وياخذ سيارة ملاكى ماركة لادا ليقوم بجولة تفقدية بجرجا وضواحيها ولا يشاركه سوى الملازم أول طارق الجبالى ضابط الشرطة الشاب حديث التخرج والمرفه والذى إختاره جودت خصيصا لذلك ليشد من ازره ويعلمه من خبراته.

يتولى جودت قيادة السيارة ويجلس طارق بجواره ويشعل جودت سيجارة وينفث دخلنها ليبدا طارق فى السعال ويحمر وجهه وتدمع عيناه ويحاول ان يبعد دخان السجائر بيده ويضحك جودت كثيرا.

يمر جودت بسيارته من أمام مصنع السكر وينظر إلى تجمع العمال لتلتقى عينيه بعين فؤاد ابو جلال للمرة الأولى..ويكمل جودت جولته.

 

المشهد الثامن: الإضافى

تنتهي ساعة الراحة بعد أن تناول الجميع وجبة الغذاء وكوباية الشاي الثقيل، ويبدأ العمل مرة أخري لمدة ساعتين، وبعدها بينتهى وقت العمل الرسمي، وبيكون العمال كلهم أنهكهم التعب، وبيبدأوا يروحوا لمكان الراحة اللى هيباتوا فيه.

بيقرب المعلم رزق المقاول من فؤاد وبيبص لجسمه وقوته وبنيانه نظرة طويلة، وبعدها بيقوله: “لو لسه قادر أو عندك شوية صحة وقوة ممكن أشغلك ساعتين كمان وتاخد قد يوميتك..إيه رأيك؟

بينتفض فؤاد من مكانه فوراً وبينفض إيديه، ويحط الجلابية جوه السيالة ويقوله: معاك يامعلم..توكلنا على الله وسيدنا النبي.

  • المعلم: تعالي ورايا..شايف عربية الأسمنت دى..تروح تنزل على قد ماتقدر منها وتطلعه فى الدور الثانى، وأول لما المغرب يأذن تبطل ياولدى..كده يبجى يومك الاضافى خلص.
  •  فؤاد: حاضر يامعلم .. على الله وسيدنا النبي.

يذهب فؤاد لسيارة الأسمنت، سيارة نقل بها حوالى 20 طن متقسمة على عربية ومقطورة، ويبدأ فؤاد ينزل الشكاير منها، ويرفعها على كتفه ويطلعها على الدور الثانى، أملاً فى 10 جنيه إضافي مقابل ساعتين زمن، بالشكل ده ممكن يبعت لأمه ولأخوه مبلغ محترم كل جمعة.

بعد ساعتين بالضبط، وفى أذان المغرب ذهب المقاول علشان يشوف فؤاد خلص قد إيه وهل هو شغال فعلاً ولا تعب وقعد..وكانت مفاجأة كبيرة للمقاول لما لقي فؤاد بيشطب على الأسمنت اللى فى العربية ومش باقى غير المقطورة.

إنبهر رزق المقاول بفؤاد وقوته وهمته وإخلاصه فى العمل، وراح له وقاله: كفاية عليك النهاردة ياولدي كده..وخد الـ 10 جنيه الاضافى أهى .. ومعاها 2 جنيه مكافأة ليك كمان..يلا روح علشان تتشطف وتريح شوية علشان تصحي بدرى علشان شغل بكرة.

فرح فؤاد جداً بالفلوس، وأخدها وقعد يقلب فى العشرة جنيه والجنيهات الورق، وشكر المقاول وقاله أى شغل تحتاجه أنا خدامك يامعلم..على الله وسيدنا النبي.

 يتبـــــــع