أخبارمقالات

د. عادل عامر يكتب: أزمة الهوية المصرية في التعليم

تمثل المناهج القلب النابض في جسم التعليم، وفى الوقت نفسه العمود الفقري للعملية التعليمية، فكلاهما مقوم أساسي من مقومات جسم الإنسان، ومن ثم جسم التعليم، وبهذا يكون المنهج هو وسيلتنا الأساسية، وربما المتفردة، لبناء حائط الصد الذى نقيمه داخل البنيان الكلى للتعليم ضد ما يهدد المتعلم في اسمه، وجنسه، وذاته، ووجوده، الأمر الذى يحتم على المناهج التعليمية أن تقوم بهذه المهمة الاستراتيجية المقدسة في الدفاع عن الهوية والوجود، إذ ما أضيع الإنسان عندما يفقد هويته، وما أضيعه عندما يعجز عن صيانتها، والدفاع عنها، والذود عن حياضها، لأن الهوية وطن، ومناهج التعليم أمن قومي لحمايته. والمحتوى الهام الآخر للمشكلة هو الإهمال والتغريب الذين تمر به الثقافة العربية، وهو إهمال ناتج عن انهيار نظم القيم السائدة في المجتمع والتفاعلات غير المتسقة للفئات والجماعات ينشأ من انهيار التقاليد السائدة ومن الأعباء الواقعة على نظم غير ملائمة ثقافياً لتوجهات المجتمع.

ومن أهم أوجه عدم الاتساق وجود مشكلة تصادم بين التطرف الذي تنتهجه جماعات من عامة الناس وبين النخب التي تنتهج مناهج وسطية لا غلو فيها، فالجماعات المتطرفة تنادي بفكرة انبعاث جديدة للدين كقوة أيديولوجية، وهنا ينشأ تضاد فكري تحاول النخب الحد منه وترى بأن الدين يمكن أن يكون طريقة لتبني الحداثة عن طريق تسهيل ربط الحداثة بالحقائق الثقافية للمجتمع، والوسطية بين القديم والحديث، والحد من الإقصاء الذي يمارسه المتطرفون.

أن عملية تكوين الهوية تختلف من فرد الى فرد، من مجتمع الى مجتمع ومن ثقافة الى ثقافة، فلن تتكوّن هوية متماسكة إلاّ نتيجة تفاعل توافقي للفرد مع ماضيه وجذوره العائلية وخبرات الطفولة في شتّى المجالات من جهة، وبينه وبين تطلّعاته المستقبلية ضمن الفرص المتاحة له والحدود الواقعية لطموحاته الشخصية من جهة أخرى.

فالبحث عن الهوية ليس هروباً من الطفولة، ولا الغوص في أحلام مستحيلة المنال، انها عملية صحية، مرنة، ديناميكية، يتعرّض خلالها الفرد الى نماذج سلوكية وأخلاقية مختلفة وصولا الى التزامه في نهاية المطاف بمجموعة من القيم والمفاهيم تتكيّف مع تاريخه الشخصي وتقدّم له أرضية صالحة لتحرّكاته المستقبلية، وباختصار فان البحث عن الهوية ما هو إلاّ عملية استكشاف والتزام.

إن موجة المد الديني الحالية ليست بظاهرة عابرة، لكنها ظاهرة تتم إثارتها وتحفيزها من قبل أنماط معقدة من العلاقات. وبسبب مشكلة الخوف على الهوية الثقافية من التأثيرات الخارجية القوية يتم استدعاء الدين لكي يستجيب إلى حاجات الشعوب العربية ليس على المستوى الشخصي فقط، لكن عبر المجال الثقافي للمجتمع كافة، ومع وجود هذه الحقيقة فإن من المناسب مراجعة العلاقات المتداخلة بين الدين والوطنية والتحديث.

ومن المناسب أيضاً التطرق للاستقرار السياسي كحالات مميزة تجعل من الدول العربية التي وقعت فيها الثورات مؤخراً ذات طبيعة خاصة بها وحدها، وبالحديث عن مظاهر الثقافة والدين والوطنية والتحديث تعتبر مراجعة واقع بعض الدول العربية خطوة هامة لمعرفة ما يحدث ثقافياً على صعيد المنطقة سواء وقعت ثورات في تلك الدول أم لم تقع.

ان شعور المراهق بالنجاح أو الفشل في المجال التعليمي يرتبط مباشرة بالصورة التي يكوّنها عن نفسه والتي هي بدورها تؤثّر على مفهوم الهوية عنده: هل أنا انسان قادر؟.. فاشل؟ هل أستطيع القيام بهذه المسؤوليات؟، لماذا لا أستطيع؟، ما هي مشكلتي؟، ما هي نقاط قوتي؟، هل لديّ قدرات تؤهّلني للمستقبل؟ أي مستقبل أتصوّر لنفسي إذا لا أدرك قدراتي؟ كيف أتعرّف على قدراتي؟ لماذا أختلف عن الآخرين؟ هل أنا راضٍ عن مستوى أدائي؟ هل أستطيع أن أكون أفضل؟ لماذا أريد أن أكون أفضل؟ إلخ… كلها تساؤلات تجتاح أذهان المراهقين في مرحلة مليئة من الاستحقاقات المهمّة في حياتهم، ألا وهي الامتحانات الرسمية التي سوف تقرّر مصيرهم التعليمي أو المهني أو امتحانات الدخول الى الجامعات ومعاهد التعليم العالي.

انها تساؤلات كثيرة وغامضة، تسبّب الكثير من القلق والمخاوف لدى المراهقين، إضافة الى تمزّق داخلي بين الرغبة الماسّة للنجاح وإدراكهم العارم للحواجز والمعوقات التي تقف بوجه تحقيق هذا النجاح المنشود: فالطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها الشاب المراهق هي التي تحدّد مصيره في أغلب الأحيان (نوعية التعليم الذي يتلقّاه ومستوى الجودة في المدرسة التي يرتادها، شبكة العلاقات الاجتماعية في بيئته العائلية التي سوف تساهم في رسم مستقبله المهني، فرص التطوّر الذاتي والتوظيف المتاحة أمامه، إلخ).

قد يبدو لنا بديهي أن يساهم المستوى الجيد للأداء المدرسي في تكوين صورة إيجابية لدى المراهق عن مهاراته وقدراته وتزداد ثقته بنفسه بمجرّد الشعور بأنه مؤهّل لخوض مشروعه المستقبلي، لكن هذه الثقة بالنفس قد تتزعزع عندما يشعر المراهق أن انتماءه الاجتماعي لا يساعده في استثمار نجاحه حسب ما يطمح اليه ، بسبب الفقر والحرمان وغياب آلية دعم اجتماعي وعدم توافر الخيارات البديلة الملائمة.

إن هذا الوضع الذي يعيشه عدد كبير من المراهقين في كل أنحاء العالم، بخاصة البلدان النامية، يسبّب الكثير من الاحباط لدى هؤلاء الشباب حيث تدفن طموحاتهم الغالية في دوامة الفقر وتتلاشى مواهبهم الواعدة في دهاليز متطلبات الحياة اليومية سعيا لتأمين لقمة العيش لأسرهم في عالم يطغي عليه التشاؤم والاحباط، وهناك علاقة ارتباطيَّة قويَّة بين الانتماء والهويَّة؛ حيث “يسعى الانتماء إلى توطِيد الهويَّة، وتُعدُّ الهويَّة دليلاً على وجود الانتماء؛ فالانتماء يدعم الهويَّة ويقوِّيها؛ أي: إنَّ الهويَّة وليدة الانتماء، وحينما يدرِك الإنسانُ معنى انتمائه يستطيع أن يَعرف من هو؟

ولماذا هو موجود؟ ولأيِّ هدفٍ يسعى؟..فالبحث عن الهويَّة هو البحث في وحدةِ الانتماء، فالتماسك الاجتماعي يحقِّق الولاءَ ويقوِّي الانتماء الذي يتَّضح في مدى اعتزاز الفرد بهويَّته والفخر بها أينما كان، فالهويَّة وليدة الانتماء وهي الوجود الحقيقِي له، فتنشأ منه بقَدر ما تعمل على توكيده” ولذلك كان لفِقدان الهويَّة أحيانًا، واضطرابِها وأزمتها أحيانًا أخرى – أثرُها الواضح والمباشِر على شعور الفرد بالعزلَة والاغتراب واليأسِ والتشاؤم، وانعكاس ذلك واضح على صحَّة الفرد النفسيَّة والاجتماعيَّة؛ حيث انحلال الشخصيَّة وازدواجيَّتها وصراع القِيَم وسوء التوافق، ممَّا يهدِّد استقرارَ المجتمع وأمنه.

تملك مصر تاريخًا وحضارة عظيمة منذ آلاف السنين؛ إذ كانت رائدة للعلوم والفنون ومصدرة للثقافات علي مر العصور، ولكن ما حدث في السنوات الأخيرة من تجريف للثقافة في مصر؛ يجعل البحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك ضرورة،  ويأتي من بين أهم تلك الأسباب تراجع دور المصادر التربوية والثقافية التقليدية، كالأسرة، والمعلم والمؤسسات المجتمعية التثقيفية؛ إضافة لتراجع دور الحكومة في مهمتها الموكلة إلى وزارات الثقافة، والتعليم، والشباب، بما تملك من هيئات ومؤسسات، وجاء كنتيجة سريعة لهذا الغياب، تدهور جودة التعليم، وتهميش دور المثقفين والمفكرين، وتدني المضمون واللغة الإعلامية ومستوى ما يُقدم من فنون.

الثقافة هي المحرك الأساسي للفعل الإنساني، فمقياس تحضر الأمم ورقيّها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل ما يشمله اللفظ من دلالات وما يحتويه من معان، ولأن أعمدة بناء الأمم هي الشباب، فإن الحفاظ على الثقافة ونقلها إلى الأجيال الجديدة يعتمد في نجاحه على مدى استيعاب وإيمان الشباب بتلك الثقافة.

وفى ظل سيطرة وسائل الإعلام الجديد على الشباب تأتى أهمية البحث والتحليل لدور هذه الوسائل، وتأثيرها ومعالجة سلبياتها، وتدخل المعنيين بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية العربية كطرف فاعل في علاقة الشباب بتلك الوسائل؛ لضمان عدم انقراض الملامح الأساسية والخصائص الأولية لثقافتنا، مع الحفاظ على المكتسبات الإيجابية من دخولنا عصر الإعلام الجديد الذى سمحت جوانبه الإيجابية باطلاع الشباب على ثقافات العالم المتقدم، كما يضع أمام الجميع تحديا كبيرا، يتمثل في أن تحافظ على ثراء التبادل الثقافي، وأن تكتسب منه الجيد دون إفراط أو تفريط.

ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/04/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="571" height="118" />

error: Alert: Content is protected !!