أخبارمقالات

خالد أبو المجد يكتب: “سيجارة جابت جوان”

الاستماع للخبر

قطعة أرض، مساحتها قد لا تتجاوز الـ 1000 متر مربع، كشفت مدى القصور الفكري الإقتصادى والإستثمارى الوطني، وزيارة قصيرة إلى مدينة ملاهي الأطفال التعليمية “كيدزانيا” التي تم إنشائها بالتجمع الخامس منذ سنوات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة أثبتت نجاح الإستثمار حال التفرّد فى فكرته والقناعة بها، وحوار أقصر كشف عن عدة نقاط إقتصادية غاية فى الأهمية.

* المدينة محدودة المساحة، وتقع داخل تجمع تجارى وسكنى تبلغ مساحته مئات الأفدنة، فى موقع غاية فى التميز، أغلب الظن أن سعر هذه المساحة الضخمة يتجاوز عشرات المليارات من الجنيهات..ولا أدرى هل تم تحصيل المقابل المناسب للتنازل عن هذه المساحات أم أنها بيعت بـ “ثمن بخس”.

* وجهة نظري أن الإستثمارات فى مشروع مدينة ملاهي الأطفال إنحصرت فى “الفكرة المتميزة”، رصدت لها إستثمارات مادية ليست بالكثيرة، يفد إلى المدينة قرابة 500000 زائر سنوياً حسب تصريحات العضو المنتدب، أسعار الدخول بالنسبة ليست متواضعة، بل وتصعب زيارتها أو الاقتراب منها على كل محدودي الدخل وغالبية متوسطيه، وبحسبة تقريبية طبقاً لمتوسط أسعار تذاكر الدخول نجد أن الدخل الشهري لهذا الإستثمار يصل إلى 9000000 من الجنيهات..دون حساب عائدات الخدمات الأخرى من تأجير المساحات الداخلية والدعاية للشركات والعلامات التجارية والتصوير والوجبات..إلخ.

* نموذج المدينة..بتكنولوجياتها، وأمنها، وبنيتها التحتية، ونظافتها، وهدوئها، ومناخها، كل ذلك يحقق أحلام “المدينة الفاضلة” لو تم تنفيذ هذا النموذج على العموم فى مدينة كبيرة..وتنفيذ ذلك ليس مستحيلاً فكثير من الـ “كومباوندز” الخاصة تقترب من تحقيق هذه السمات فى الجانب السكنى، وينقصها فقط دمج الجانب الوظيفي والتشغيلي.

* طبقاً للتصريحات تضم المدينة 56 نموذج أعمال، تتيح قرابة 150 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بإستثمارات معقولة.

* بعيداً عن الحسابات والأرقام وضعت المدينة بذور “الترفيه التعليمي”، والذي غابت ثقافته عن عقول غالبية المستثمرين الذين سخّروا فكرهم فقط فى “ملء البطون”، وأثبتت التجربة أن الإستثمار الراقي والإهتمام بالعقول له “زبائن” يفوقون فى كل المميزات زبائن المنتجات الغذائية الاستهلاكية..فهل سنرى فى القريب توجهاً حكومياً لإنشاء مثل هذه المدن الترفيهية التعليمية للنهوض بفكر النشء وغرس القيم الأخلاقية المحمودة فى ظل زمان سيطر فيه التيار “السبكى” وتغلبت فيه إبداعات “أوكا وأورتيجا” ..و”سيجارة جابت جوان”.

لا أدرى لماذا لا يتواجد الإستثمار الوطني فى مثل هذه المجالات الناجحة، لماذا يتميز دائماً المال الخاص وينمو بإضطراد وتنجح إدارته، ويبقى إستثمار المال العام روتينياً وتقليدياً وخاسراً وفاشلاً..أتمنى أن أرى إقتصادً وطنياً مماثلاً ومنافساً – ولا مانع من خصخصة إدارته – فما أشد حاجتنا فى عصرنا هذا للترفيه التربوي والراقي.