أخبارمقالات

الدكتور عادل عامر يكتب: الحياة الآمنة حق لكل انسان

الاستماع للخبر

يختلف مفهوم الحق تبعا لطبيعة المجتمع الإنساني وكيانه ونتيجة الوضع الفرد في البناء الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيش في ظله ففي المجتمعات البدائية التي لم تكن تعرف الملكية الخاصة كان أفراد الجماعة يتمتعون بالمساواة المطلقة فيما يحصلون عليه من ثمار الإنتاج ومن ثم لم تعرف تلك المجتمعات ذلك المفهوم الذي يميز إنسانا على آخر.

الحق في الأمن: حرية الأمن ( سلامة الجسد ). يجب عدم المس بأي انسان آخر بأي شكل من الأشكال. على الأنسان أن يعيش بدون خوف. من واجب الدولة أن تحافظ على حياة أفرادها وعلى أمنهم يتمثل هذا بالقوانين التي تمنع القتل وتمنع أشكال العنف وتؤمن– تقدم العلاج الطبي للمواطنين رغما عنهم وتفعل ذلك بواسطة قوات الأمن من جيش وشرطه.

الحق هو كل ما يستطيع الفرد القيام به في إطار ما يسمى بالشرعية القانونية التي يمنحها له القانون أي أنه سلطة يسندها القانون إلى شخص معني،  يستطيع بمقتضاها أن يتسلط على شيء أو أن يقتضي أداء معين من شخص آخر، والحق لغة هو الثابت غير القابل للإنكار وهو نقيض الباطل وحق الإنسان في الحياة هو أخطر الحقوق وأجلها وأقدسها في جميع الشرائع والحضارات والأعراف والقوانين والدساتير.

وهذا الحق ليس تعبيرا مجردا من دلالته التي تكسبه أهمية وخطورة بل يكتسب أهميته من تكريم الله للإنسان وتفضيله على كثير من مخلوقاته، والمستعرض لتاريخ الإنسانية الفكري، يجد أن فكرة الحقوق الطبيعية من أولى الأفكار التي نادى بها الفلاسفة والمفكرون وهذه الفكرة هي التي أقرت للإنسان حقوقا طبيعية في مقدمتها الحق في الحياة لكونه الأساس الذي ترتكز عليه الحقوق الأخرى ،

وقد يرى البعض أن فكرة حقوق الإنسان هي نتاج الفكر الأدبي ووليدة توراته وهذا زعم غير دقيق لأن الحضارة الحديثة مسبوقة بحضارات أقدم منها لكن ناضل  فيها الإنسان لإقرار حقوقه ، وتركت بصمات واضحة على التاريخ الإنساني، فالاهتمام بحق الحياة بدأ عند الرومان والإغريق والحضارة المسيحية إلا أنها كانت مجرد أفكار نادى بها الفلاسفة إزاء تسلط الملوك لكننا نجد أن الشريعة الإسلامية أقرت حقوق الإنسان على رأسها الحق في الحياة مصداقا لقوله تعالى :{ ولكم في الحياة قصاص يأولي الألباب “.وكذلك ” يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحببكم  “.

كما وفر الإسلام للإنسان جميع مستلزمات حياته ، أما الأساس الفكري فيرتكز على أن حق الإنسان في الحياة هو حق طبيعي يقره العقل السليم ولا يحتاج إلى إرادة المشرعين ومضمونه ان لجميع الناس بحكم ادميتهم حقوقا يستمدونها من طبيعتهم الإنسانية ولا تمنحها الدولة أو المجتمع وإنما تقتصر مهمتها على الاعتراف بها، إذ لا يمكن إلغاؤها أو التنازل عنها تحت أي ظرف أو ضرورة، بالرغم من أن حق الحياة مكفولا شرعا وقانونا، إلا أنه ترد عليه بعض الحالات والتي تعتبر استثناء لحمايته والتمتع به، بحيث نجد أن أشد العقوبات اجمالا في قانون العقوبات سواء أكان مصدره ديانة سماوية أو تشريعات وصفيا ، أو حتى اتفاقا ثنائيا دوليا أو إقليميا تظل هي عقوبة الإعدام، أي إزهاق الروح. والفلاسفة على اختلاف مشاربهم يختلفون هل حق الحياة هبة من الله لا يجوز أن تؤخذ بغير وجه حق ؟ أم  أن إزهاق الروح لإنسان آخر تقتضي إزهاق روح الجاني؟

 فما بين الجاني والضحية تتبلور عدة دلالات القانون الأخلاق الدين الفلسفة. وهنا ظهر مفهوم جديد وهو ما يسمى بحقوق الإنسان ، فمدامنا نناقش حق الضحية فلابد أن نناقش حق الجاني أو الذي قام بإزهاق الروح. لقد بلور الاتحاد الأوروبي نظرته في عدم تطبيق عقوبة الإعدام والولايات المتحدة الأمريكية على عكس ذلك تقوم بتطبيق عملي لعقوبة الإعدام وتطبيقها في محاكمها وحسب الاستاذ محمد أبي سلمان العمراوي ( باحث في العلوم الشرعية) فإنه لا يوجد في الشرع ما يسمى بعقوبة الإعدام ولا يحبذ استعمال لفظة الإعدام لأنه في عقيدتنا يقول العمراوي أن الإنسان ينتقل من حياة إلى حياة أخرى، وليس بمعنى العدم، وإنما هناك القصاص المطبقة في جرائم القتل العمد والتي تعتبر أيضا من الاستثناءات الواردة على الحق في الحياة. والتي تتفرع إلى جرائم عمد أو شبه العمد أو خطأ حسب الفقهاء. وذهب مالك إلى أن القتل إما عمدا أو خطأ ولا ثالث لهما فالقصاص في جرائم القتل العمد يمكن الاستغناء عنها بعقوبة أخرى لا تزهق الروح وهي الدية أي دفع تعويض إذا عفا ذوو الحقوق.

أما الجرائم غير العمدية فلا يجوز فيها مطلقا إيقاع عقوبة الإعدام، وإزهاق الروح ففي الفقه الإسلامي الجنائي حق قتل الجاني اعطي لذوي الحقوق، وبخصوص قضية الحق في الحياة من منظور الشريعة الإسلامية يؤكد أن هذا الحق من الحقوق الأساسية التي كفلتها الشريعة لأنه من الكليات الخمس، ولا يجوز تعريض أي إنسان للموت ففي القرآن الكريم هناك قاعدة ذهبية مفادها أن قتل نفس كقتل الناس جميعا قال تعالى :”من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”.

من هنا وضع الإسلام كل الضمانات والاحتياطات من أجل الابقاء على النفس البشرية وفي هذا الصدد أباح محرمات متعددة لإباء على النفس البشرية كأكل الميتة وغيرها. وهذا إن ذل على شيء فإنما يدل على حرص الشريعة الإسلامية على الحق في الحياة أكثر من غيرها من القوانين الوضعية.

نجد كذلك قتل الشفقة أو الرحمة وهو موضوع معاصر بدأ يطرح نفسه بشدة على الأوساط الطبيعية والقانونية والقضائية والفقهية وهو يعني إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه بطريقة غير مؤلمة نسبيا بدواعي الرحمة والشفقة عليه وتخليصه من الالم ولقد أثيرت ، تساؤلات معقدة حول القتل بدافع الشفقة بين الشرع والقانون والأخلاقيات الطبية ، وبين أن النظرة الإنسانية لمثل هذا الأمر لم تحسم وتنتهي بعرض وجهة نظر واحدة حولها وخصوصا في الدول الغربية التي ازداد فيها عدد المنادين بتعديل التشريعات للسماح بإجازته وبالتفصيل حالات عملية في بعض المجتمعات التي سمحت به من حيث التطور والنتائج والأسباب وبالذات عندما أقر الكونغرس الأمريكي عام 1990 قانونا يقر بحق المريض الذي يتلقى العلاج في المستشفيات العامة الفيدرالية أن يطلب إنهاء حياته بالامتناع عن العلاج وكذلك التجربة الهولندية عندما أقر البرلمان قانونا عام 2001 يجيز القتل بدافع الشفقة إذا وافق المريض الميؤوس من شفائه ، وتطرق الدكتور أبو سويلم إلى أن التشريعات العربية لا تغير من الوصف القانوني لجريمة القتل بدافع الشفقة إذ تبقى قتلا عمدا في نظر القانون وإن كانت بعضها تعتبره ظرفا مخففا للعقوبة ويرى أن رضى المجني عليه لا يغير من الفعل شيئا ولا يجعله مشروعا لأن التشريعات جاءت لحماية  حق الإنسان في الحياة.

ومن ثم لا يجوز مخالفتها للنظام العام. بل أصبح لها طابعها الدولي المميز، والذي جعل موضوع حقوق الإنسان يخرج من إطار النسبية الزمانية والمكانية، التي كانت تستغل من جانب النظم الاستبدادية، كالنازية والفاشية والنظم الماركسية، في إهدار كرامة الأفراد، كما استغلت من جانب الدول الاستعمارية، في التعامل غير الإنساني، وغير العادل، مع الشعوب التي كانت خاضعة لسلطانها في العصر الحديث.