منذ شهور إستضافتنى إحدى قنوات التلفزيون المصرى فى سهرتها التى أعدتها لتبادل الرؤى حول مدى إستفادة المواطن العربى من التكنولوجيا بكافة أنواعها، وكان من بين الضيوف المشاركين صحفيين من فلسطين والجزائر، أثروا محتوى السهرة بمعلومات قيمة حول تغلغل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى أوطانهم، وإقبال مواطنيهم على إستخدامها وإستغلالها..وأفضت بدورى وأسهبت فى إبراز دور القطاع التكنولوجى المصرى وعلى رأسه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والهيئات والشركات والمؤسسات التابعة لها فى نشر وتوطين التكنولوجيا فى ربوع وطننا العزيز.
بقى أن أذكر أنه بعد الانتهاء من السهرة التلفزيونية سابقة الذكر طلبت من الإخراج نسخ تسجيل الحلقة على “فلاش ميمورى”، وكانت المفاجأة أنه لا يتم تسجيل هذه الحلقات، بل وليس لديهم صفحات على “يوتيوب” أو فيس بوك” لنشرها من الأساس.
ومصادفة..إستمعت بالأمس لمحادثة جرت بين شابين فى العقد الرابع من عمرهم تقريباً، يطلب أحدهم من الآخر أن يدون له رقم هاتفه على المحمول، وعندما سأله الآخر عن السبب قال له أنه لا يجيد القراءة أو الكتابة، ويستخدم ذاكرته وفطنته فقط فى التفريق بين الارقام والاسماء على الهاتف المحمول..والغريب أنه كان يمتلك هاتفاً ذكياً يعمل باللمس ..!!
الطبيعى أن يكون هذا الشاب بعيداً كل البعد عن التكنولوجيا وأسبابها، إلا أن الواقع كان مغايراً تماماً، فعندما حاورته وجدته يجيد إستخدام “فيس بوك”، ولديه حساب على تطبيقات النقل التشاركى “كريم وأوبر”، ويستمتع بمشاهدة مقاطع الفيديو عبر “يوتيوب”، بإختصار هو متصل بالتكنولوجيا يحتاج إلى تأهيل.
أمثال هذا الشاب بالمئات، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت أنهم بالآلاف، أغلبهم فى القرى وبعيداً عن المدن، مرت عقود وعقود وهم يقومون فقط بدور المتفرج على إنتشار التكنولوجيا بقاهرة المعز، ومن أدرك قطار التعليم وتفوق فيه هاجر إلى العاصمة ليحظى بنصيب من هذا التطور..قراءة واحدة بتمعن لهذه السطور تدرك بعدها أهمية وفوائد المبادرة الوطنية لنشر المدن التكنولوجية فى ربوع الوطن.
إنتشار المدن التكنولوجية يحقق أبسط معانى العدالة الاجتماعية فى توزيع التكنولوجيا، ويقضى على إحتكار العاصمة لها دون غيرها، ويقلص هذا الفارق الكبير بين سكان القرى والنجوع وسكان الحضر والقاهرة، ويهيئ البيئة الداعمة للابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال، ويعمل على توفير فرص عمل متميزة للشباب في المحافظات.
التكنولوجيا لدينا، ومتاحة، وتقترب شيئاً فشيئاً من تغطية الوطن بأكمله، ماعلينا سوى إحلالها محل إستخداماتنا التقليدية، وتدريب من لا يملك مقوماتها لذلك لتحقيق المجتمع الرقمى المنشود.