محمد أبو المجد يكتب: أفريقيا..نمــورٌ بلا موارد (3)
يشهد الاقتصاد السنغالي نموًّا سريعًا بما يجعلها تعتبر أحد أهم النمور الأفريقية، حيث بلغت نسبته 6.5 % خلال العامين الماضيين. وتحوز السنغال على المرتبة الثانية بين بلدان غرب أفريقيا من حيث سرعة النمو، فيما يحتل اقتصادها المرتبة الـ 119 عالميًّا.
وعلى عكس البلدان المجاورة، فإن السنغال تمكنت إلى حد كبير من حل مشكلات البنية التحتية، وبدأت التركيز على مشاريع كبرى لا سيما المطارات والسكك الحديدية، والطرق السريعة.
ويبلغ عدد السكان نحو 14 مليون نسمة، وجغرافيّا تجاورها كل من موريتانيا، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، ومالي. ونالت السنغال استقلالها من بريطانيا عام 1960، وتعد، حاليًا، من أكثر الدول استقرارًا في القارة السمراء. ويشكل المسلمون 95 % من إجمالي السكان، و5 % أتباع الديانات الأخرى، بما فيها المسيحية.
وتعد الفرنسية اللغة الرسمية هناك، إلى جانب انتشار لغات محلية أخرى. ويشكل التعدين والبناء والسياحة والثروة السمكية والزراعة البنية الأساسية للاقتصاد السنغالي. وتركز الصادرات الرئيسية للبلاد على الذهب والفوسفات والنفط والأسماك، في حين يعتمد استيرادها على النفط الخام، والأرز، والقمح، والسيارات، والأدوية.
يؤكد أحدث تقرير لتقييم ممارسة أنشطة الأعمال، أن السنغال انضمت إلى الدول الخمس الأكثر إصلاحًا في جنوب الصحراء الأفريقية.. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لمؤشر الاستثمار في أفريقيا، فقد أصبحت واحدة من الوجهات العشر الأكثر جاذبية للمستثمرين في القارة.
تواصل السنغال اجتذاب المزيد من المستثمرين الأجانب، والوطنيين أيضًا، معتمدة على تطوير التكنولوجيا، وميكنة الإجراءات، وتقليل الاعتماد على المستندات الورقية إلى أكبر حد ممكن، واختصار زمن إنهاء التراخيص، وتبسيط الخطوات، وتقديم الحوافز للمستثمرين بشكل مبهر.. مثلًا؛ الإعفاء من الضرائب لمدة 3 سنوات، والحصول على الترخيص خلال 48 ساعة.
سيدة أعمال تدعى “سعاد نانج”، تعيش منذ 20 عامًا في الولايات المتحدة وتعمل في مجال الفنادق الفاخرة، استثمرت مليوني يورو في السنغال، وافتتحت أول “فندق بوتيك”، أطلقت عليه “النخيل”، في العاصمة “داكار”.. وقد استغرقت الإجراءات والإنشاءات والتأثيث 9 أشهر فقط؛ الأمر الذي شجعها على افتتاح فندق آخر، خلال الأيام القليلة القادمة، ثم الانطلاق من السنغال للاستثمار في مكان آخر في أفريقيا.
يقول أحد المسئولين الحكوميين: “إذا وصلت في الثامنة صباحًا إلى شباك الأبيكس (الوكالة المختصة بالتصاريح والتراخيص)، ستغادر عند الرابعة بعد الظهر، وقد أنشأت شركتك رسميًّا.. أقل من 24 ساعة لإقامة شركة، هذا يعتبر ثورة حقيقية في الإدارة والاقتصاد”.
وكالة “أبيكس” الحكومية اعتمدت في تلك الثورة على المعلوماتية والإنترنت، حيث قامت بتجميع كل الأختام والتوقيعات في مكان واحد، مكتب صغير تتجمع فيه كل الأمور التي يفترض إنجازها المرور بوزارتي العدل والاقتصاد، بل من مهامه توصيل المرافق مثل الكهرباء والصرف الصحي والمياه والاتصالات..وغيرها.
وتقوم تلك الوكالة أيضًا بدور المتابعة للمشروعات، وتقديم المشورة بعد انطلاقها، وتذليل الصعوبات، وسداد الضرائب عبر الإنترنت، وتشجيع الشركات على التصدير. ويمكن سداد الضريبة، إلكترونيًّا، خلال 5 دقائق، بدلًا من أيام في السابق، فضلًا عن الفصل بين العميل ومقدم الخدمة، وهو ما قضى على الفساد.
تتمتع السنغال، بفضل استقرارها السياسي والاقتصادي، بطموحات كبيرة، وتتعهد بمواصلة تعميق الإصلاحات وتحسين قدرتها التنافسية، والوصول إلى مصاف الدول العشر الأولى ضمن مقياس “ممارسة أنشطة الأعمال”.
وبفضل الاستقرار السياسي يتوقع أن يصل معدل النمو إلى 7% قريبًا.. وقد أطلقت السلطات برنامجًا موسعًا من الإصلاحات في مجال الأعمال، يعتمد على التكنولوجيا في اختصار الإجراءات، ونسف الروتين. وبحسب تقرير حول التنافس في أفريقيا، فقد تم تخفيض تكاليف التحميل والنقل للحاويات في ميناء “داكار” بنسبة 25%، نظرًا لتقليص فترة الاستيراد والتصدير إلى 9 أيام كحد أقصى.
يقول “أحمدو مبي ديوب”، مدير التنمية في غيندية 2000: “الآن في السنغال، المستندات الورقية اختفت من التخليص الجمركي.. الهدف هو اختصار فترة الإجراءات الاقتصادية”.
وفي مجال الاستثمار العقاري تم توفير تدابير حديثة للمستثمرين لتسهيل الحصول على العقارات، فضلًا عن صندوق ضمان للحماية من المخاطر المرتبطة بمجالين مهمين جدًّا، وهما الزراعة والاقتصاد الاجتماعي.
تحسين مناخ الاستثمار يفرض بالطبع تحسين البنى التحتية المتعلقة بالنقل. وقد بدأت بالفعل ورش عمل كبيرة بهذا الخصوص وأخرى لا تزال في طور الإعداد. الهدف هو زيادة الجاذبية الاقتصادية لداكار. الحكومة تشق طريقًا للترام في داكا، ووعدت بزيادة طول السكة الحديدية إلى 5 آلاف كيلومتر، لربط مناطق الإنتاج التعديني والزراعي بالمنافذ البحرية.
حول العاصمة “داكار”، قبل 5 سنوات، كانت المنطقةُ مهجورةً تقريبًا. واليوم، تتحول لتصبح عاصمة حقيقية، وذلك بأبنيتها السكنية والإدارية والتعليمية والصحية والترفيهية وغيرها مثل هذه المنصة الصناعية العالمية المتميزة بنشاطها.
في مدينة ديامنياديو، تم استثمار أكثر من 3,5 مليون يورو في مصنع “سي آند أتش” لإنتاج الملابس. ففي هذا المصنع الصيني يعمل 300 شخص بعد أن خضعوا للتأهيل والتدريب. ويتضاعف عددُهم باستمرار.
وتعد محكمة التجارة، إحدى الأدوات الرئيسية لتحسين مناخ الأعمال في السنغال.. هذه المحكمة الجديدة أقيمت في داكار، قبل أكثر من عام.. أكثر من 4500 آلاف قضية تمت تسويتها فيها.. وقد أثرت إيجابيًّا على الاقتصاد؛ حيث وفرت الكثير من الوقت والمجهود والتكاليف.
كما تم تعديل التشريعات المتعلقة بالعمل والعقارات وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تقليص تكاليف التحويلات والإنتاج، وغيرها.. ولا يزال هذا البلد مهمومًا بالإصلاح.
إضافة إلى كل ما تقدم، هناك مؤشر آخر جذب المستثمرين الأجانب، لا يمكن تجاهله، وهو أن “دولة السنغال تحترم تمامًا الالتزامات المكتوبة مع المستثمرين”.
ورغم التقدم الكبير الذي تحقق، فلا يزال أمام الاقتصاد السنغالي، ككثير من الاقتصادات الأفريقية، مواجهة العديد من التحديات. المهم هو أن البلاد تحاول وضع الأسس الأولى في عملية النهوض.
ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/06/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="745" height="154" />
نشر فى فيتو الجمعة 19 أبريل 2019