أخبارمقالات

خالد أبو المجد يكتب: أنصاف الحلول .. (1)

الاستماع للخبر

التوقيت مساء الخميس، والمكان “محطة مصر”، والمشهد: الأب يهبط من قطار النوم بالقاهرة، قادماً من أسوان، أقصى جنوب صعيد مصر لتلقى العلاج، وقضاء بعض الاحتياجات، وما أن وطأت قدماه أرض العاصمة إلا ورن هاتفه المحمول، وعلى الجانب الآخر ولده، الطالب بإحدى كليات جامعة جنوب الوادي، مطالباّ إياه بمبلغ ٢٠٠٠ جنيه بشكل عاجل لزوم إستكمال مصروفاته الدراسية، وماكان من الوالد إلا أن وفر المبلغ له..وبقيت مشكلة واحدة، كيف يمكنه إرسال المبلغ لولده؟.

تذكر الوالد خدمة “الموبايل كاش”، التى وفرتها الاتصالات المحمولة والتكنولوجيا الحديثة، والتى عملت على إختصار المسافات، وتقريب الأماكن، وأصبح مشتركيها يملكون “حساباً بنكياً” متحركاً فى جيوبهم..فهرع إلى أقرب مركز لخدمة عملاء شركته لتحويل المبلغ إلى ولده، شاكراً التقدم التكنولوجى الكبير الذى تواكب مصر أحدث تطبيقاته.

بالفعل تم إيداع المبلغ فى محفظة الهاتف المحمول للأب فى دقائق معدودة، وبقيت الخطوة الثانية وهى تحويل الأموال إلى محفظة الأبن فى أقصى الصعيد..وهنا ظهرت المشكلة الحقيقية؛ فهاتف الأب على شبكة محمول مغايرة للشركة التابع لها هاتف الأبن.

بعد أن أسقط فى يد الأب لوهلة، تواصل الأب مع إبنه، وشرح له الموقف، فبحث الإبن عن صديق له يملك هاتفاً يعمل على نفس شبكة والده، وقام بإعطاء الرقم له، وتم بالفعل تحويل المبلغ للصديق، وفى اليوم التالى تم تسليمه للإبن.

القصة قد تبدو بسيطة من المنظور السطحى لها، ولكن ماذا كان الوضع إذا كان الولد فى مكان نائى، أو ليس له أصدقاء فى محيطه، أو كان صديقه هذا على درجة متدنية من الأمانة؟

هذا هو مايطلق عليه “أنصاف الحلول”، حيث تعمل الخدمات التكنولوجية المجتمعية فى دوائر منفصلة، جزر منعزلة بعضها عن البعض، وهذا بالطبع لا يخدم المجتمع الرقمى الشامل، وجل المقترح والمطلوب هو وصل هذه الحلقات المنفصلة ببعضها، حبذا لو كان عن طريق شريك مصرفى حكومى، البنك المركزى على سبيل المثال، بحيث يتم تمكين الصرف أو الإيداع فى محافظ الموبايل كاش لشركات الاتصالات الأربعة من خلال أى شبكة منهم، كأن تودع فى فودافون كاش مثلاً وتصرف من إتصالات، أو أن ترسل من أورنج كاش إلى محفظة إتصالات..وهكذا.

وحبذا لو إكتملت المنظومة المالية التكنولوجية بدخول حسابات البريد فى الدائرة، وأن يكون للأخير محفظة مالية على الموبايل كاش، خاصة وأن عملائه يمثلون السواد الأعظم فى النسيج المصرى..حتى تكتمل الحلول المالية التكنولوجية فى مصر.