“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.. هذا تكليف الله، عز وجل، لنبيه، صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يجوز أن يخالفه؟! معاذ الله أن نقتنع بما يحاول المتطرفون والمتشددون إقناعنا به من تصوير النبي، صلى الله عليه، وآله، وسلم، بأنه يدعو للقتل والعنف وسفك الدماء!
كانت حياته، وخلقه، وتصرفاته، صلى الله عليه وآله وسلم، مصداقًا للتكليف الإلهي بالرحمة للعالمين؛ مؤمنين، وغير مؤمنين، بشرًا، أو حيوانًا، أو غير ذلك.
عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: “كان غلامٌ يهوديٌ يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار” رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل نفسًا معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”، رواه البخاري.
وعن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، قال: “غزوت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خيبر، فأتت اليهود فشكوْا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا تحل أموالُ المعاهدين إلا بحقها”، رواه أبو داود بسند حسن.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: قيل: يا رسول الله؛ ادعُ على المشركين.. قال: “إني لم أُبْعثْ لعَّانًا.. وإنما بعثتُ رحمة”، رواه مسلم.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا عصت وأبت، فادعُ الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: “اللهم اهد دوسًا وأتِ بهم”، رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، أنهم قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، فقال: اللهم اهد ثقيفًا”، رواه الترمذي بسند صحيح.
على الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار قبل الهجرة، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم، وليس أدلّ على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال، رضي الله عنه، عندما أسره المسلمون، وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فربطوه بسارية من سواري المسجد، ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام، وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب، حتى دخل الإيمان قلبه..
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، يا محمد؛ والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليَّ، والله ما كان من دينٍ أبغضَ إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد إليَّ”، وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم، وصار درعًا يدافع عن الإسلام والمسلمين.
كما تجلّت رحمته، صلى الله عليه وسلم، أيضًا يوم فتح مكة، حينما أعلنها صريحةً واضحةً: “اليومُ يومُ المرحمة”، وأصدر عفوَه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعًا في إلحاق الأذى بالمسلمين، فقابل الإساءة بالإحسان، والأذى بحسن المعاملة.
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه”. [من سنن ابن ماجة: عن أبي هريرة].
قال ابن عبَّاسٍ، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”.. أنه “من آمن تمَّت له الرحمة في الدنيا وفي الآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم من عاجل الدنيا من العذاب، من المسخ، والخسف، والقذف”.
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِيهِمْ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ”.. [الدارمي].
هذه بعض من مظاهر رحمته مع الأعداء، من الكفار والمشركين، فكيف نصدق الآراء التي تطالب بالعنف معهم، والتعامل معهم بالقتل والذبح؟!
فيتـــــو 6 يوليو 2018
ict-misr.com/wp-content/uploads/2018/06/مسئولية-المقالات-300x62.jpg" alt="" width="769" height="159" />