أظهرت نتائج تقرير شركة “ريان” للاستشارات الإستراتيجية للعام 2024، والذي نشرته “إرم بيزنس“، أن جمهورية مصر العربية حققت المركز الثاني في أفريقيا والأول عربياً في مجال خدمة العملاء، مع احتلالها المرتبة الخامسة عالمياً بالتساوي مع المغرب.
وجاء فى نتائج التقرير أن جنوب أفريقيا تصدرت القائمة على مستوى القارة، بينما جاءت الهند والفلبين في المركزين الأول والثاني عالمياً.
ويعكس هذا النجاح النمو المتزايد في قطاع خدمات التعهيد، الذي يُعد أحد أهم روافد الدخل القومي المصري، خاصة بعد أن عززت مصر خلال السنوات الأخيرة، مكانتها كوجهة مفضلة لشركات خدمات التعهيد العالمية.
وقال التقرير أن الأشهر الماضية شهدت تنافساً شديداً بين الدول الرائدة في جذب الشركات الدولية والمتوسطة المتخصصة في خدمة العملاء، وهو أحد فروع صناعة التعهيد التي تعني استئجار خدمات وموارد من جهات خارجية بهدف تقليل التكاليف، وتوفير الوقت والجهد في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وسلط بيتر ريان، المحلل الرئيس في شركة “ريان للاستشارات الإستراتيجية”، الضوء على مقومات مصر كمقصد عالمي في صناعة خدمات التعهيد، من خلال سلسلة مقاطع فيديو نشرتها هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأشار ريان إلى أن مصر تتمتع بخمسة مقومات رئيسة تجعلها رائدة في صناعة التعهيد والخدمات العابرة للحدود، أبرزها: البنية التحتية المتطورة في مجالات الاتصالات، وخدمات الإنترنت، ووسائل النقل، مما يسهل حركة السفر لمقدمي الخدمات وعملائهم.
وأكد ريان أن الحكومة المصرية، من خلال وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا”، تولي اهتماماً كبيراً لصناعة التعهيد منذ العام 2007، حيث تعمل على تهيئة بيئة مواتية للأعمال، مما يعزز من مكانة مصر على الخريطة العالمية للتعهيد.
وبحسب هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا”، تتمتع مصر بجميع المؤهلات والمزايا التنافسية اللازمة لجذب الشركات في هذا المجال، بما في ذلك وفرة المهارات بسبب التدفق المستمر للخرّيجين سنوياً.
وصرّح أحمد جمال الدين، المدير الإقليمي لشركة “ترانسكوم” في مصر وبريطانيا، لـ “إرم بزنس” بأن صناعة التعهيد بدأت في مصر منذ العام 2005، لكنها كانت تفتقر إلى العوامل التنافسية، حيث كانت دول، مثل: الهند والفلبين تتفوق بفضل الأسعار المنخفضة، والبنية التحتية المتطورة.
وأشار جمال الدين إلى أن مصر بدأت تجذب الاستثمارات الأجنبية، منذ العام 2009، بعد تحسين البنية التحتية، وزيادة جودة اللغة التي يتقنها خريجو الجامعات المصرية.
ورغم أن الأسعار لم تكن قادرة على المنافسة في ذلك الوقت، إلا أن جهود الدولة لدعم الصناعة، من خلال وزارة الاتصالات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا”، بالإضافة إلى تحرير سعر الصرف، ساهمت في جذب الشركات الأجنبية.
وتتميز مصر بتكاليف تعهيد تنافسية، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يسهل الوصول إلى أسواق أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، مما يعزز من جاذبيتها لمقدمي خدمات التعهيد. كما تتمتع البلاد بمهارات قوية في اللغة الإنجليزية وأكثر من 20 لغة حية.
وتقوم “إيتيدا” بتنظيم فعاليات وملتقيات توظيف دورية لتشغيل الكوادر المؤهلة من الخريجين والباحثين عن فرص عمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات، مما يسهم في تشبيكهم بالشركات العاملة في القطاع.
وتعد صناعة التعهيد سوقاً واعداً وقادراً على خلق فرص عمل جديدة، وجذب المزيد من الاستثمارات، بفضل وجود قاعدة صلبة من المهارات الرقمية والتقنية واللغوية، فضلاً عن وفرة الكوادر الشابة المتخصصة.
ووفقاً لمصدر مسؤول بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، تتفوق السوق المصرية على الدول المنافسة بفضل وفرة الكوادر البشرية، حيث يبلغ عدد الخريجين نحو 740 ألف سنوياً، منهم 28% في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة..هذه الميزة تجعل مصر وجهة مفضلة للشركات في مجالات التعهيد، بما في ذلك مراكز الاتصال الدولية، ومراكز خدمات تكنولوجيا المعلومات.
كما أعلنت عدة شركات عالمية متخصصة في تطوير البرمجيات وأنظمة السيارات عن توسيع عملياتها في مصر، من بينها شركة “لوكسوفت العالمية”، و”فيكل إيفو” الألمانية، و”فاليو” الفرنسية.
وفي العام 2022، تعاونت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات مع شركة “إيرنست أند يونغ” لوضع إستراتيجية طموحة تحت عنوان “إستراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد“، والتي تعتمد على دراسة موضوعية للسوق المصري بالتوازي مع قياس الطلب المتزايد على هذه الخدمات على المستوى العالمي.
وتحت إطار “إستراتيجية مصر الرقمية لتنمية صناعة التعهيد”، التي تشرف عليها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تستهدف مصر مضاعفة حجم صادراتها من منتجات تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرتبطة بها.
وتهدف الإستراتيجية إلى زيادة عدد المهنيين المستقلين والمتخصصين في مجال التعهيد، مستهدفة نحو 550 ألف متخصص، مع توقعات بتقديم خدمات بقيمة تصديرية تصل إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026.
وقد ساهمت هذه الإستراتيجية في تحقيق نمو ملحوظ، حيث ارتفعت الصادرات الرقمية إلى 6.2 مليار دولار بنهاية العام 2023، مقارنة بـ4.9 مليار دولار في 2022، مع نمو صادرات التعهيد بنسبة 54%.
وتستمر هيئة تنمية تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” في تعزيز دورها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يعزز مكانة مصر كوجهة رائدة في هذا المجال.
في الوقت نفسه، بدأت المغرب في دخول المنافسة في صناعة التعهيد، حيث تفضل الشركات الناطقة بالفرنسية، مثل فرنسا وبلجيكا، نقل مقارها إلى المغرب، مما يجعلها واحدة من الوجهات المفضلة لخدمات العملاء في هذه الفئة.
ووفقاً لتقرير شركة “ريان”، احتلت الهند المركز الأول كأكثر الوجهات جذباً لشركات خدمة العملاء في عام 2024، للمرة الثانية على التوالي، مع جذبها شركات بريطانية، وأسترالية، وسنغافورية.
يذكر أن مصر بدأت استخدام الإنترنت فى العام 1992، حين أبرمت أول اتفاق مع شركة “بت نت” الفرنسية، وكان تقديم خدمات الإنترنت عبر “شبكة الجامعات المصرية” و”مركز المعلومات“، الذي لعب دوراً مهماً في نشر الإنترنت في الوزارات، والمصالح الحكومية، بدءاً من العام 1994.
وتُعد خدمة العملاء العمود الفقري لكافة الشركات التي تقدم خدمات مدفوعة، حيث تلعب دوراً مهماً في جذب رأس المال والحفاظ عليه. وتُعرف خدمة العملاء بأنها جزء من تجربة العملاء (CX)، التي تشمل جميع نقاط الاتصال بين العميل والشركة، مثل المبيعات، والتسويق.
في الآونة الأخيرة، تساهم التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT)، في توسيع فرص خدمة العملاء بسرعة فائقة.
وتجد هذه الشركات في مصر، حيث تبلغ نسبة البطالة 6.5% وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مصدراً جيداً للقوى العاملة، حيث يتمتع الشباب بكفاءات عالية وقدرة على التحدث بعدة لغات، بالإضافة إلى بنية تحتية رقمية متطورة، مع وجود كابلات الإنترنت العابرة للأطلنطي في الأراضي المصرية.
ومع تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، خلال السنوات الماضية، ازدادت جاذبية مصر كمقصد لخدمات التعهيد، مما جعلها وجهة مفضلة للشركات العالمية التي تبحث عن خدمات تعهيد بتكاليف تنافسية.
هذا التراجع ساهم في خفض تكاليف العمليات التشغيلية (OPEX)، وزادت مصر قدرتها على تصدير خدماتها بتكلفة أقل تصل إلى 60% مقارنة بالدول المنافسة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، مما عزز من تنافسية صناعة التعهيد في البلاد.
وتُعد صناعة التعهيد واحدة من أهم الموارد المالية بالعملة الصعبة لمصر خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تنتشر في البلاد مئات الشركات العاملة في هذا المجال.
ومن بين الشركات التي استثمرت، مؤخراً، في مصر، تأتي شركة “Alorica” وشركة “VXI” الأمريكية، بالإضافة إلى شركة “إنتلسيا” و”Foundever“، وشركة “طلبات”، المملوكة لمجموعة دليفري هيرو الألمانية.
هذه المجموعة من الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات تمثل جزءاً من قائمة طويلة من الشركات التي اتخذت من مصر مقراً لعملياتها العالمية، بما في ذلك شركات كبيرة، مثل “كونستريكس” و”ساذرلاند” الأمريكتين، و”تيلي بيرفورمانس” الفرنسية، و”ترانسكوم”، و”فودافون للخدمات الذكية”، إلى جانب “راية لخدمات مراكز الاتصال”، وهي إحدى الشركات المصرية الرائدة في هذا المجال.
ومن بين الشركات المحلية التي برزت على الساحة الدولية في مجال التعهيد، تبرز شركة “Xceed” كأحد اللاعبين الرئيسين، والتى تأسست فى العام 2001.
وتقدم “Xceed” خدمات التعهيد سواء للعمليات التجارية (BPO) أو خدمة العملاء، وتهدف لمساعدة العملاء حول العالم في تلبية متطلبات السوق العالمية سريعة التطور.
وتربط الشركة 4 قارات عبر 8 لغات من خلال عشرة مواقع في: مصر، والمغرب، وموريشيوس، وهي مملوكة بالكامل للشركة المصرية للاتصالات، ولديها قدرة تشغيل إجمالية تزيد على 10000 محطة عمل متعددة القنوات و8000 وكيل عن بعد.
وتقدم “Xceed” خدمات عالية الجودة عبر العديد من الصناعات، مثل: الاتصالات، والوجبات السريعة، والتكنولوجيا، والسياحة، والسيارات، والخدمات المالية، والسلع الاستهلاكية سريعة الحركة، والرعاية الصحية.
ومع هذه التطورات، تُظهر مصر قوة ملحوظة في صناعة التعهيد، مما يجعلها مقصداً جذاباً للشركات العالمية الباحثة عن الكفاءة والتكلفة المنخفضة في خدمات العملاء.