فى مايو من العام 2019، إصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار رئاسي رقم 13873بعنوان “حماية المعلومات وتقنية الاتصالات وسلاسل تزويد الخدمات”، وبمقتضى هذا القرار قامت واشنطن بتصنيف العملاق التكنولوجى الصيني “هواوي” على أنها “تهدد الأمن القومي الأمريكي”، وفرضت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية قيوداً على مزودي خدمات الهاتف المحمول في المناطق الريفية الأمريكية، الذين يتقاضون أجورا مقابل خدماتهم من صندوق حكومي قيمة 8.5 مليار دولار، تمنعهم من شراء معدات شركة هواوي، وتبع ذلك تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في قمة الناتو إن القرار بشأن السماح أو عدم السماح لشركة هواوي بدور في بناء شبكات الجيل الخامس البريطانية سوف يعتمد على ضمان استمرار التعاون مع الولايات المتحدة بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية..وكانت هذه الخطوات هي البداية ضمن سلسلة من التحديات بين هواوي والولايات المتحدة.
وفي ديسمبر من العام ذاته 2019، القت السلطات الكندية القبض على منغ وانزو، المديرة المالية لشركة هواوي، بناء على طلب من الولايات المتحدة بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران، وأصدرت وزارة العدل الأميركية قائمة من 23 تهمة رسمية ضد شركة هواوي؛ شملت تهماً بالتحايل وسرقة أسرار تكنولوجية من الشركات الأميركية، وبعد جلسة استماع لثلاثة أيام، أطلقت السلطات الكندية سراحها بكفالة مالية بقيمة 10 ملايين دولار كندي واشترطت المحكمة تحديد مكان إقامتها وأن ترتدي سوارًا للتتبع.
معارك دونالد ترامب لم تقتصر على الصعيد الداخلي، بل امتدت إلى دول في قارات مختلفة؛ من قضية بناء الجدار العازل، إلى معركة عقوباته على إيران، وحربه التجارية مع الصين، التي عادت لتبرز على السطح كواحدة من أبرز المعارك، ومع عودته إلى البيت الأبيض وانتشار الذكاء الاصطناعي، فأي حرب تنتظر الصين؟
وتفيد التقارير الصينية أن أسهل تبرير يمكن أن يقدمه الرئيس الأميركي لموقفه المتصلب من الصين والتضييق عليها في الوصول إلى الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، هو الهاجس الأمني، هذا المبرر قد يقنع المواطن الأميركي العادي ولكنه حتمًا لن يقنع حكومات الدول والخبراء.
في عام 2017، كانت القيمة السوقية لشركة الرقائق الإلكترونية الأمريكية “نفيديا” 60 مليار دولار، وكان سعر السهم الواحد للشركة 2.36 دولار، ودفعت تقنيات “الذكاء الاصطناعي” وحاجة السوق للشرائح الإلكترونية بسعر الشركة للارتفاع ليتضاعف عشرات المرات، وما أن أعلن عن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية حتى قفزت أسهم الشركة بنسبة 2.9 في المئة ليصل سعر السهم إلى 139.93 دولار، أي خمسون ضعفًا تقريبًا مقارنة بما كانت عليه عام 2017، ووصلت قيمتها السوقية إلى 3.38 تريليون دولار، لتحتل المرتبة الأولى عالميًا متفوقة على آبل، لذلك تفيد التقارير أن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب سيعمل جاهدًا على حجب الشرائح الإلكترونية السريعة المتطورة التى تصنعها الشركات الأمريكية عن الصين.
ويقول الخبراء أن ترامب -وهو صديق مقرب من أيلون ماسك- يدرك أن الذكاء الاصطناعي سيحل قريبًا جدًا محل البترول من حيث الأهمية والمكانة؛ إن كان البترول حتى وقت قريب العنصر المتواجد في كل آلة، فإن الذكاء الاصطناعي سيأخذ مكانه ليس فقط في الآلات، بل سيكون جزءًا في كل سلعة، حتى في الواقع الافتراضي.
ويضيف الخبراء: “قد تكون علاقة ترامب الذي يطلق عليه لقب “قطب العقارات” بالتكنولوجيا محدودة، ولكن علاقته بإدارة الأعمال عميقة وقوية، ومعروفة عنه شراسته في تصيد الفرص والإمساك بها، ولذلك لن يضيع الفرصة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، خاصة أنه ينتوى تعيين ماسك مستشارًا تكنولوجياً غير معلن له خلال وجوده في البيت الأبيض.
ترامب ليس الوحيد في الإدارة الأميركية الذي يؤمن بضرورة تفوق الولايات المتحدة التكنولوجي، ففي أكتوبر الماضي، ألقى مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، كلمة حول آفاق الذكاء الاصطناعي في جامعة الدفاع الوطني، من أهم ما جاء في الكلمة أن الولايات المتحدة يجب أن “تفرغ” العالم من الأشخاص القادرين على العمل في هذا المجال وأن تأخذهم “حيثما أمكن ذلك”..ويضيف سوليفان: “في هذا العالم، سيحدد استخدام الذكاء الاصطناعي المستقبل، وكما كان يقول الجنرال أيزنهاور، يجب على بلادنا أن تطور عقيدة جديدة لضمان أن يعمل الذكاء الاصطناعي لمصلحتنا وقيمنا، وليس ضدنا، ولتحقيق ذلك يجب أن يتم تصنيع جميع “الرقائق المتقدمة” من قبل الشركات الأميركية أو أن يتم التحكم في توزيعها من قبل الولايات المتحدة؛ ويجب إنشاء بنية تحتية كاملة لتشغيل الذكاء الاصطناعي الحديث في الولايات المتحدة”.
فى الوقت ذاته نجحت الصين فى تصنيع كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، وأستطاعت هواوى أن تستغنى بالفعل عن تطبيقات وخدمات “جوجل” التى حرمت منها بفعل القرار الرئاسى لترامب، وحقيقة الأمر أن الصين بدأت رحلتها مع تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات منذ 7 سنوات، أي مع بداية عهدة ترامب الأولى. واليوم لا نعلم بالضبط أين وصلت في عملية تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات، ولكن ما نعرفه أن بكين أطلقت صندوق تمويل لتطوير صناعة الشرائح المتقدمة، وتسعى لتطوير قدراتها الذاتية في هذا المجال وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية، وهي في طريقها لبناء 31 مصنعا جديدا للرقائق قبل انتهاء عام 2024 الذي أوشك على الانتهاء، ردا على قانون أصدرته الولايات المتحدة يعرف باسم قانون “الشريحة الأميركي”، وتلتزم السرية والكتمان في أي أمر يتعلق بالتكنولوجيا، إلا أنه لن يكون صعبا الاستنتاج بأنها تتعثر في تحقيق طموحها والاستغناء عن الشركات الأميركية..ولن يكون صعبا الاستنتاج بأن محاولة الصين الاعتماد على نفسها بالرقائق تعترضها عقبات عديدة. أولها إن إنتاج الرقائق المتطورة يتطلب استثمارات ضخمة في المعدات والتكنولوجيا. الصين تعتمد على معدات قديمة ومطورة محليًا، مما يزيد من تكلفة الإنتاج مقارنة بالشركات العالمية مثل TSMC التايوانية.
وفى تطور سريع؛ وبعد وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، أعلنت تايوان اعتزامها نقل مصانعها من الصين لتجنب ما توعد به الرئيس الجمهوري من فرض رسوم جمركية على السلع الصينية..ففي يناير 2025، سوف يتولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا، لكن تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الأمريكية من السلع الصينية يُشكل مخاطر كبيرة على نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم.