أخبارالأرشيفمقالات
أخر الأخبار

خالد أبو المجد يكتب: “إرهاق العصر الإفتراضي”..!!

الاستماع للخبر

قال الرجل: “أخذت جريدة الجمهورية”، وناول البائع ثمنها وأنصرف، كلمات صغيرة شغلت ذهنى للحظات، وتذكرت أبي رحمة الله عليه وروتينه اليومي، فور إستيقاظه مباشرة وإرتدائه “الروب” وإلتقاط الجريدة التي يلقي بها البائع فى الشرفة كل صباح، وتسائلت: “كان هذا في سبعينات القرن الماضي، أمازال هناك من يفضل الحصول على المعلومات من الجرائد الورقية حتى اليوم، رغم تسيد التكنولوجيا والانترنت والهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي..وتوافر المعلومات اللحظية؟”.

عاد بي التفكير إلى الوراء؛ إلى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كانت الحياة أبسط مايكون مقارنة بما نحن عليه اليوم؛ ولم نكن ندري بمقدار هذه النعمة، كنا ننتظر الصباح للحصول على الجرائد للوقوف على المستجدات والاحداث، وعندما بدأت الجرائد فى طرح طبعتها الأولى فى منتصف الليل كنا نصطف ليحصل المحظوظون منا على نسخة قبل النفاذ..وكان هذا الأمر بالنسبة لنا “طفرة” وحدث جلل.

كانت جريدة “المساء” معشوقة للكثيرين، خاصة متابعي أخبار الرياضة، وكانت طبعاتها كثيراً ماتنفذ قبل الفوز بإحدى النسخ، كانت أكشاك الجرائد مخصصة لبيع الجرائد فقط وباقى المطبوعات من المجلات قبل أن تتحول إلى “مينى سوبر ماركت”.

وعلى الرغم من إطلاق الخبراء مصطلح “عصر السرعة” إلا أنه كان بطيئاً مقارنة بعصرنا هذا الذي نعيشه، كانت التهانئ لا تتم إلا بالزيارات المنزلية، وأداء الواجبات الاجتماعية لا يمكن التغاضي عنها، وتأجيلها كان يعد من الكبائر، وكانت السهرات تحلو مع طرب سيدة الغناء العربي أو العندليب أو قيثارة الشرق وغيرهم من عمالقة الطرب.

كان التلفزيون فقط قناتين، ثم أصبحوا 3، وزادت إلى 9 فيما بعد بعد إضافة القنوات الاقليمية والنايل TV، إلا أن فترة الارسال كانت لا تتعدى 14 ساعة كحد اقصى تبدأ فى الواحدة بعد الظهر، وتنتهى فى الثانية عشرة منتصف الليل، وقليلاً ما كانت تتجاوزه..وفى “اليوم المفتوح” تحديداً، والبداية والنهاية بقراءة قصيرة مما تيسر من القرآن الكريم يسبقه نشرة الأخبار على القناة الأولى، و”أحداث 24 ساعة” والتى يقدمها عادة الإعلامى معتز الدمرداش على الثانية، مما كان يترك مساحة محترمة للتواصل الاجتماعى الحقيقي لا الافتراضي.

اليوم..أصبحت المعلومات تترى من كل حدب وصوب، لحظية لكن تختلط فيها الحقيقة مع التضليل، بل ويصعب التفرقة بينهما، وصار كلُ يبحث عن مصادر المعلومات التي تشبع رغبته ونهمه دون تحري دقتها أو مصداقيتها، وصارت التهانئ إن وجدت تتم بالـ “SMS” أو عبر “واتساب”، وتوارت المشاعر الانسانية خلف تسارع وتيرة العصر التكنولوجي الرقمي الحالي، وأصبحت الواجبات الاجتماعية “Post” على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

أصبحت الحياة أكثر إرهاقاً؛ كلً يرهقه السعي والجرى فى إتجاهه، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تساعد التكنولوجيا فى ترسيخ الراحة والهدوء للإنسانية، ما حدث فعلياً علي أرض الواقع هو عكس ما كنا نرجوه ونصبو إليه، حتي أن مشهد الرجل الذي يشترى الجريدة أصبح غريباً على عيوننا.